تَقُولُ:
"ادْعُ بِمَ شِئْتَ"، وَ"سَلْ عَمَّ شِئْتَ"، وَ"خُذْهُ
بِمَ شِئْتَ"، وَ"كُنْ فِيمَ شِئْتَ". إِذَا أَرَدْتَ مَعْنَى سَلْ
عَنْ أَيِّ شَيْءٍ شِئْتَ، نَقَصْتَ الأَلِفَ، وَإِنْ أَرَدْتَ سَلْ عَنِ الَّذِي
أَحْبَبْتَ أَتْمَمْتَ الأَلِفَ فَقُلْتَ: ادْعُ بِمَا بَدَا لَكَ، وَسَلْ عَمَّا
أَحْبَبْتَ، وَخُذْهُ بِمَا أَرَدْتَ، كُلُّ هَذَا تُتِمُّ فِيهِ الأَلِفَ، إِلَّا
"بِمَ شِئْتَ" خَاصَّةً، فَإِنَّ العَرَبَ تُنْقِصُ الأَلِفَ مِنْهَا
خَاصَّةً، فَتَقُولُ: ادْعُ بِمَ شِئْتَ، فِي المَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ
الحَرْفَ يَتَّصِلُ "بِمَا" اتِّصَالًا لَا يَتَّصِلُ بِغَيْرِهَا،
تَقُولُ إِذَا اسْتَفْهَمْتَ: فِيمَ ضَرَبْتَ؟، فَتُنْقِصُ الأَلِفَ، وَإِذَا
كَانَتْ فِي غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ أَتْمَمْتَ؛ فَتَقُولُ: "جِئْتُ فِيمَا
سَأَلْتُكَ"، وَتَقُولُ: "كُلُّ مَا كَانَ مِنْكَ حَسَنٌ"،
وَ"إِنَّ كُلَّ مَا تَأْتِيهِ جَمِيلٌ" فَتَقْطَعُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي
مَوْضِعِ الاسْمِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَوْضِعِ اسْمٍ وَصَلْتَهَا فَتَقُولُ:
"كُلَّمَا جِئْتُكَ بَرَرْتَنِي"، وَ"كُلَّمَا سَأَلْتُكَ
أَخْبَرْتَنِي".
وَتكتبُ:
"إِنَّمَا فَعَلْتُ كَذَا"، وَ"إِنَّمَا كَلَّمْتُ أَخَاكَ"،
وَ"إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ" فَتَصِلُ، فَإِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ
اسْمٍ قَطَعْتَهُ، فَكَتَبْتَ: "إِنَّ مَا عِنْدَكَ أَحَبُّ إِلَيَّ"،
وَ"إِنَّ مَا جِئْتَ بِهِ قَبِيحٌ"، وَقَدْ كُتِبَتْ فِي المُصْحَفِ،
وَهِيَ اسْمٌ، مَقْطُوعَةً وَمَوْصُولَةً، كَتَبُوا: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ)
مَقْطُوعَةً، وَكَتَبُوا: (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ) مَوْصُولَةً،
وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى الاسْمِ، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تَفْرُقَ بَيْنَ الاسْمِ
وَالصِّلَةِ، بِأَنْ تَقْطَعَ الاسْمَ وَتَصِلَ الصِّلَةَ.
وَ"مَعَ
مَا" إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الاسْمِ فَهِيَ مَقْطُوعَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ
"مَا" صِلَةً فَهِيَ مَوْصُولَةٌ.
وَتُكْتَبُ:
"أَيْنَمَا كُنْتَ فَافْعَلْ كَذَا"، (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ
المَوْتُ)، وَ"نَحْنُ نَأْتِيكَ أَيْنَمَا تَكُونُ"، مَوْصُولَةً؛
لِأَنَّهَا فِي هَذَا المَوْضِعِ صِلَةٌ وَصَلْتَ بِهَا "أَيْنَ"،
وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ بِاتِّصَالِهَا مَعْنًى لَمْ يَكُنْ فِي
"أَيْنَ" قَبْلُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: أَيْنَ تَكُونُ،
فَتَرْفَعَ؛ فَإِذَا أَدْخَلْتَ "مَا" عَلَى "أَيْنَ" قَلْتَ:
أَيْنَمَا تَكُنْ نَكُنْ، فَتَجْزِمُ؛ لِأَنَّ "تَكُونُ" فِي الأَوَّلِ
بِمَعْنَى الاسْتِفْهَامِ، وَإِذَا كَانَتْ "مَا" فِي مَوْضِعِ اسْمٍ
مَعَ "أَيْنَ" فَصَلْتَ، فَقُلْتَ: أَيْنَ مَا كُنْتَ تَعِدُنَا؟ أَيْنَ
مَا كُنْتَ تَقُولُ؟
وتكتبُ:
"أَيَّمَا الرَّجُلَيْنِ لَقِيتَ فَأَكْرِمْ"، (أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ
قَضَيْتَ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ) مُتَّصِلَةً؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ؛ أَلَا تَرَى
أَنَّكَ تَقُولُ: "أَيَّ الرَّجُلَيْنِ لَقِيتَ فَأَكْرِمْ"، وَ"أَيَّ
الأَجَلَيْنِ قَضَيْتَ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ".
وتكتب:
"أَيُّ مَا عِنْدَكَ أَفْضَلُ"، وَ"أَيُّ مَا تَرَاهُ
أَوْفَقُ" فَتَقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ اسْمٍ.
وَأَمَّا
"حَيْثُمَا" فَتُكْتَبُ مَوْصُولَةً، وَكَتَبَهَا بَعْضُهُمْ مَفْصُولَةً،
وَذَلِكَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ "حَيْثُ" إِذَا انْفَرَدَتْ فَهِيَ بِمَعْنَى
مَكَانٍ، وَتَرْفَعُ الفِعْلَ إِذَا وَلِيَهَا، تَقُولُ: "حَيْثُ يَكُونُ
عَبْدُ اللهِ أَكُونُ"، فَإِذَا زِيدَ فِيهَا "مَا" تَغَيَّرَتْ
وَصَارْتْ بِمَعْنَى "أَيْنَ" وَجَزَمَتِ الفِعْلَ؛ تَقُولُ:
"حَيْثُمَا تَكُنْ أَكُنْ"؛ فَدُخُولُ "مَا" عَلَيْهَا
يُغَيِّرُ مَعْنَاهَا، فَكَأَنَّهَا وَ"مَا" حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى
أَنَّ "مَا" مَعَهَا لَا تَكُونُ أَبَدًا فِي مَوْضِعِ اسْمٍ كَمَا
كَانَتْ مَعَ "أَيْنَ" وَغَيْرِهَا فِي مَوْضِعِ اسْمٍ فَيَجُوزُ فِيهَا
مَا جَازَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الفِعْلِ.
وَ"نِعِمَّا"
إِنْ شِئْتَ وَصَلْتَ، وَإِنْ شِئْتَ فَصَلْتَ، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تَصِلَ
لِلإدْغَامِ، وَلِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ فِي المُصْحَفِ، وَ"بْئْسَمَا"
كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُدْغَمَةً فَهِيَ مُشْبَهَةٌ بِهَا، وَحُجَّةُ
مَنْ قَطَعَ "نِعْمَ مَا" وَ"بِئْسَ مَا" أَنَّ
"مَا" مَعَهُمَا فِي مَعْنَى الاسْمِ.
وَتَكْتُبُ:
"فِيمَ أَنْتَ" فَتَصِلُ وَتَحْذِفُ الأَلِفَ، فَإِذَا كَانَ الكَلَامُ
خَبَرًا قَطَعْتَ، فَقُلْتَ: "تَكَلَّمْ فِيمَا أَحْبَبْتَ"؛ لِأَنَّ
"مَا" فِي مَوْضِعِ الاسْمِ.
وَ"عَمَّا"
تكتبُ مَوْصُولَةً لِلإِدْغَامِ: كَانَتْ "مَا" فِيهَا صِلَةً أَوِ
اسْمًا.
(المرجع: أدب الكاتب
لابن قتيبة. اعتنى به وراجعه/ د. درويش جويدي. المكتبة العصرية. صيدا. بيروت).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق