الخميس، 28 نوفمبر 2013

مآلات أيام الاحتفاء باللغة العربية


     نحن الآن على بعد أيام قليلة من تاريخ 18ديسمبر/كانون الأول الذي تحتفل فيه الأسرة الدولية سنويا باللغة العربية، في إطار الاحتفال باليوم الدوليّ للغة الأم. ولهذا التاريخ رمزية خاصة تكمن في أن هذا اليوم هو الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، سنة 1973م ، بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسة. وفي فاتح مارس/ آذار، من كل سنة، تحتفل الأسرة العربية بيوم اللغة العربية. ومع أن الاحتفاء باللغة العربية في هذين اليومين- من كل سنة- قد لا يغير من الواقع الشيء الكثير، فإنه- على كل حال- مناسبة لتحسيس الرأي العام حول ما تعانيه اللغة العربية، في عقر دارها، من تهميش و إهمال وإقصاء. كما أنه فرصة سانحة لوقفة تأمل في مآلات هذه الاحتفالات ونتائجها، وهل جاءت- من خلال ما يعرض فيها من براهين وحجج على قدرة اللغة العربية- بإضافات نوعية واقتراحات عملية من أجل إقناع المسؤولين العرب باتخاذ قرارات حاسمة وملزمة بتفعيل الدساتير العربية التي تنص جميعا على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدول العربية كافةً، ممّا يقتضي أن تكون لغة التدريس والإدارة وسائر المرافق الحيوية. ولا شك في أنّ مكتب تنسيق التعريب بالرباط، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، يعدّ من أهم مؤسسات العمل العربيّ المشترك التي قدمت خدمات جليلة للغة العربية، بالتعاون مع مجامع اللغة العربية والمؤسسات العربية المعنية والمهتمة. وبما أن المقام لا يسمح باستعراض جهود هذا المكتب، فسأكتفي بالإشارة إلى أنه أشرف على إعداد (40) معجما موحّدا بثلاث لغات(العربية/ الإنجليزية/ الفرنسية)، تغطي مصطلحاتها معظم الحقول المعرفية. ويُصدِر- مرتين في السنة- مجلته الرائدة المحكَّمة"اللسان العربيّ" الذائعة الصيت، لما تتضمنه من بحوث ودراسات متخصصة في مختلِف الحقول المعرفية. وفي مجال تعاونه مع بعض المؤسسات الدولية، يقوم المكتب منذ ثلاث سنوات- في إطار التعاون العربيّ الألمانيّ- بالمشاركة مع بعض الجهات الألمانية في تنفيذ مشروع عملاق، يعرف ب(arabterm يتجسد في إصدار (20) معجما (بمعدل مجلد في كل سنة، على الأقل)، بأربع لغات(العربية/ الإنجليزية/ الفرنسية/ الألمانية)، تغطي مصطلحات هذه المجلدات أهم المجالات العلمية، على أن تكون هذه المصطلحات وتعريفاتها وشروحها متاحة على الشابكة(الإنترنت). وقد صدر اثنان من هذه المعجمات، أحدهما في مجال السيارات، والثاني في مجال المياه، ويجري العمل هذه السنة في إعداد المجلد الثالث في مجال الطاقات المتجددة. ويكفي مكتب تنسيق التعريب فخرا، أنه يشرف، كل سنتين أو ثلاث سنوات-أوحسب ما تسمح به الظروف- على عقد مؤتمر للتعريب يعرض عليه مشروعات معجمية جديدة، لدراستها وإقرارها، بالإضافة إلى بحوث ودراسات متخصصة، تعالج بعض قضايا اللغة العربية والتعريب والترجمة والمصطلح وصناعة المعجمات المتعددة اللغات. ويسرني أن أسلط الضوء على بعض التوجهات العامة لمؤتمرات التعريب، من خلال مقتطفات مختارة من توصياتها. وذلك على النحو الآتي:     جَاءَ في التقرير الصادر عن المؤتمر الثاني للتعريب الذي عُقِدَ بالجزائر سنة1973 م :
-اللغة مُقَوِّم رئيس من مقومات وُجُود الأمّة واستمرارها. وكلّ خَطَر يُهدِّد اللغة هو خطر يهدد شخصية الأمّة واستمراريتها وارتباط ما بين أجيالها.
-
إنّ تأصيل العلوم وانتشار المَعارِف في أُمَّة من الأمم لا يكون إلّا بلغتها...
-
إنّ اللغة العربية قادرة على أن تكون لغة العلم الحديث: تَدْرِيسًا وتَأليفًا وبَحْثًا. وذلك بحكم طبيعتها وخصائصها وتراثها الذي أسهمت به في الحضارة الإنسانية.

وجَاءَ في تقرير المؤتمر الرابع للتعريب الذي عُقِدَ بطنجة سنة 1981م :
-
الإيمان المُطْلَق بأنّ اللغة العربية - وهي لغة القرآن الكريم- أقوى الروابط التي تربط بين أجزاء البلاد العربية لتتجاوز عوامل التجزئة والتقسيم التي تعانيها.
-
التعليم باللغة العربية ليس استجابةً للمشاعر القومية ولا زلفى لها ولكنه كذلك استجابة للحقائق التربوية التي أثبتت أنّ تعليم الإنسان بلغته أقوى مردودًا وأبعد أثَرًا وأنّه أحفل بالنتائج الخيِّرة من الناحيتين الكمّية والكيفية.

وجاء في التقرير الختاميّ للمؤتمر الثاني عشر للتعريب الذي عُقِد بالخرطوم ابتداءً من 17نوفمبر/تشرين الثاني 2013م :

-يوصي المؤتمر جمهورية السودان أن تقدم مشروعا لاجتماع القمة العربية القادم، بخصوص إصدار قرار سياديّ، يوجه كل الدول العربية بالتعريب الشامل لمؤسسات التعليم، قبل الأساس، والأساس، والثانويّ، والجامعيّ.

-يوصي المؤتمر المؤسسات العربية المعنية بخدمة اللغة العربية، أن تتواضع على خُطة مدروسة لتطبيق التعريب، وتنسيق المجهودات، سعيا للوصول إلى الغايات المرجوة التي تخدم اللغة الجامعة.

-يوصي المؤتمر وزراء الصحة العرب، وعمداء كليات الطب بالوطن العربيّ، أن يعتمدوا (المعجم الطبيّ الموحَّد) أساسا لتعريب العلوم الطبية.

-يوصي المؤتمر وزراء الإعلام ووزراء الثقافة العرب، أن يتفقوا على خُطة توجه المؤسسات الإعلامية إلى اعتماد اللغة العربية الفصيحة المشتركة، في جميع البرامج.

-يوصي المؤتمر وزراء التربية والتعليم بالوطن العربيّ، أن يؤكدوا تطبيق المنهج الوطنيّ في كل بلد عربيّ على كل مؤسسات التعليم حكومية وخاصة.

-يوصي المؤتمر اتحاد الصيادلة العرب أن يعمل مع كل الجهات الخاصة بإنتاج الدواء، لكتابة النشرات الإرشادية المصاحبة للدواء باللغة العربية.

-يوصي المؤتمر هيئات الطيران المدنيّ بالعالم العربيّ، أن توجه شركات الطيران العربية أن تكتب البيانات الخاصة بتذاكر السفر الداخلية، وتذاكر السفر بين البلاد العربية، أن تكتبها باللغة العربية.

وأذكِّر القارئ الكريم بأنّ المؤتمر الأول للتعريب، عُقِد بالرباط سنة 1961م، أي منذ(52) سنة، وعقد بعده (11) مؤتمرا، كان آخرها المؤتمر الثاني عشر بالخرطوم. وكانت التوصيات باستعمال اللغة العربية في التعليم، بمختلف مستوياته وأنواعه، تتكرر في كل مؤتمر. ومن المفارقات العصية على الفهم، أن هذه المؤتمرات يحضرها وزراء التربية والتعليم في الوطن العربيّ، أو من ينوب عنهم، وتشارك فيها مجامع اللغة العربية واتحادها، والجامعات واتحادها، وعدد كبير من المؤسسات العربية المتخصصة، والعلماء، والمفكرون، والخبراء، والمثقفون، والكتاب، والصحفيون...ومع ذلك فإن التوصيات الصادرة عن هذه المؤتمرات تظل حبرا على ورق، ولا تجد من يلتفت إليها، بل تبقى حبيسة في الرفوف إلى أن يحين موعد اللقاء في مؤتمر جديد للتعريب لإصدار توصيات جديد، ينتظرها المصير نفسُه.

إنّ مشكلتنا، في عالمنا العربي:، هي أننا لا ننفذ التوصيات التي يصدرها أهل الاختصاص، ولا نطبق القوانين التي تسنها مؤسساتنا التشريعية، ولا نلتزم بمقتضيات الدساتير التي هي نصوص ذات مرجعية سامية.

وبسبب هذا التراخي والتقاعس عن استعمال اللغة العربية، في التعليم والإدارة وسائر المرافق الحيوية، بدأت في الآونة الأخيرة جماعات، معادية للغة العربية (انطلقت من جمعية أهلية مغربية)، تنادي بضرورة استعمال العامية في التعليم، لأن العربية الفصحى-حسَب زعمهم- هي السبب في ما وصل إليه التعليم من تدهور. ولحسن الحظ، فإن هذه الجماعات محدودة وشبه معزولة مجتمعيا. وما زالت أصداء هذه الدعوات تتفاعل في الصِّحافة المغربية. من ذلك، ما كتبه جمال بدومه، تحت عنوان: التعليم و"الكوفيتير". وقد اخترت منه، للقراء الكرام، ما يأتي: "..."اللغة سلطة" كما يقول رولان بارت، والنقاش اللغويّ في المغرب، كما يطرحه المدافعون عن استبدال الدارجة بالفصحى، يخفي رهانا على السلطة. هناك في المغرب طبقة "فرانكوفونية" سيطرت على خيرات البلاد منذ الاستقلال، يُخِيفُها النفوذ المتزايد للغة العربية الفصحى، داخل المغرب وخارجه. أشخاص بألسنة معقودة، لا يتقنون إلّا الفرنسية ويتلعثمون حتى بالدارجة التي يدَّعون الدفاع عنها، يخشون أن يؤدي تصاعد النفوذ الإعلاميّ والاقتصاديّ للعربية إلى تهميشهم وتهميش أولادهم، لصالح جيل من المغاربة تخرج معظمه من المدارس العمومية، وكثير منهم يتحدث، بالإضافة إلى العربية، لغة أو لغتين دون أية عقدة...هذا هو بيت القصيد. عندما يدعوك شخص إلى التخلي عن شيء لا يستطيع الوصول إليه، من الصعب أن تثق في دعوته، لأنه مثل القط الذي يقول عن قطعة اللحم "خانزة" فقط لأنها ليست في متناول أنيابه...".
)
المصدر: جريدة "المساء" المغربية. العدد:2219بتاريخ: 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 م).                 وتحت عنوان: أعداء العربية، كتب/ صلاح بو سريف:
"
من الإهانة لشعب أن تُنسَب إليه العامّيَة في وُجود الفُصْحَى" (طه حسين). " لم تكن اللغة العربية عائقا في تطور الثقافة والفكر العربييْن، وليست اللغة، في ذاتها، هي ما يمكنه أن يقتل الرغبة في البحث والتجديد. وهذا بقدر ما يسري على العربية، يسري على غيرها من اللغات العالمية، وحتى اللغات التي لا يتجاوز استعمالها بضعة ملايين من الناس...الخلل في هذه الزاوية ليس خللا في اللغة ذاتها، بل هو خلل في النظر إلى هذه اللغة، والجهل بها.  فالذين يدْعون اليوم إلى استبدال العامية بالفصحى أشخاص لا يعرفون العربية، ولا علاقة لهم بها، كما أنهم لا يعرفون حتى العامية، التي هي لغة الشعب، وهم لم يخرجوا من هذا الشعب، ولم يعيشوا معه، لأنهم كانوا يعيشون خارج الوطن، لغة، وفكرا، وثقافة، وتعليما، وهذا من الأمور التي تجعلهم يدعون إلى تعليم أبناء المغاربة كل اللغات إلّا العربية، التي اعتقدوا أو توهّموا أنها لغة ثانوية، أو لغة ميتة كما يتصورون...أليس هذا استخفافا بالعقول واستخفافا بمقدرات الشعب المادية والمعنوية ؟ فحين نستخف بلغة شعب، أو شعوب بالأحرى، فنحن نستخف بعقل أمة وتاريخها وحضارتها، تاريخ لم يبدأ البارحة، ولا هو تاريخ مصنوع من ورق. مَن يقرأ تاريخ العربية، ويتعلمها، سيدرك أنها لغة عظيمة، ولغة إبداع، وخلق، ولغة ابتكار وسيرورة..."
(المصدر: جريدة "المساء" المغربية. العدد: 2217، بتاريخ: 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 م). ولابدهنا من التذكير بأن علاقة اللغة العربية الفصيحة بعامياتها، علاقة عضوية ومستمرة على مر العصور، لكن الفصحى هي اللغة المعيارية المقعَّدة، وهي بذلك لغة العلم ونقل المعارف المختلفة. وللعاميات مجالاتها التي لا يستهان بها، والتي لا يمكن أن ترقى إلى مستوى اللغة الفصيحة. ثم إنّ العاميات العربية، تختلف من بلد عربيّ إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى داخل القطر الواحد، ومن ثَمَّ فإنها غير صالحة للتدريس. ولا يفوتني، بهذه المناسبة، أن أشير إلى أنّ اللغة العربية الفصيحة هي البوتقة التي تنصهر فيها الوحدة الفكرية للأمة العربية، وهي بذلك من أهمّ عوامل الوحدة ، لما تُتيحُه من سهولة في التفاهم والتعاون وتنفيذ المعاملات التشاركية في مختلِف المجالات. ومن المُفارَقات ،العصيّة على الفهم، أن يَتَّحِد الأوربيون، على الرُّغْم من اختلاف لغاتهم، ويعجز العرب عن إقامة اتحاد خاصّ بهم، مع أنّهم يتحدّثون لغة واحدة. بالإضافة إلى الوحدة العَقَدِية(العَقائدية)، حيْثُ تزيد نسبة المسلمين، في الأقطار العربية ، على(90) في المائة.  وبخصوص موضوع التعريب، فمن غير المفهوم، بل ومن الغريب، أن يظل أصحاب القرار يترددون ويتخوفون من تعريب التعليم والإدارة، في الوقت الذي يرى فيه أهل الاختصاص أنّ : تعريب الإدارة(إحْلال اللغة العربية مَحَلَّ اللغة الأجنبية)، في الوطن العربي= تقْريبها من المُواطن= تفاعل إيجابيّ بَيْنَ الحاكِم والمَحكُوم= اختِصار الوقت المُخَصَّص لِإنجاز العمل= زِيادَة الإنتاج. وأنّ:
تعريب التعليم، في الأقطار العربية= فهم جيِّد= اسْتِيعاب= إبْداع= تَقَدُّم عِلْميّ= تَفاهم جَيِّد بَيْنَ المتعلِّمين، سواء أكانوا عربا أم من أصل غير عربيّ وتعربوا من خلال متابعة تعليمهم باللغة العربية الموَّحَّدة(بفتح الحاء) والموحِّدة (بكسر الحاء). يضاف إلى ذلك أنّ اللغة العربية من أهم عوامل وحدتنا التي فيها قوتنا(الاتّحاد قُوَّة )، ومن هنا، وأُسْوَةً بالاتّحاد الأُوروبيّ والاتّحاد الإفريقيّ ، فقد آنَ الأَوانُ لِقِيام الاتّحاد العربيّ ، وإصْدار العُمْلَة العربية الموحَّدَة ، وجواز السفَر العربيّ الموحَّد ، وإلْغاء تأْشِيرة الدُّخول ، وتمْكين المُواطِن العربيّ مِن حَقِّه في ما أصْبَحَ يُعْرَف بالحُريات الخَمس:  حرية التنقُّل، والإقامة، والعَمَل، والتمَلُّك، والمُشارَكَة في الانتخابات. وإحْلال اللغة العربية مَحَلَّ اللغة الأجنبية ، ونشرها بين جميع مكونات شعوبنا- من العرب وغير العرب-لِأنَّ كسر الحاجز اللغويّ هو اللبِنة الأولى في بناء صَرْح وحدة وطنية قابلة للاستمرار. ثم إنّ المواطنة تقتضي أن يكون أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن أو يحملون جنسيته، متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز. و بذلك يستطيع المواطِن أن يشارك مشاركة فاعلة في بناء وطنه، من خلال ما ينعم به ويحسّه من حرية ومساواة في ممارسة أنشطته المختلِفة. و جاء في المادة(1) من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان: "يُولَد جميع الناس أحرارا و متساوين في الكرامة والحقوق...
و في المادة(8):"لأيّ شخص حقّ اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصّة لإنصافه من أيّة أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يكفلها له الدستور أو القانون.
و في المادة(23): "الحق في العمل، و في أجْر متساو على العمل المتساوي"...
و مع ذلك، فإنّنا نلاحظ ، في بلداننا العربية ، أنّ أبناءنا الذين يدرسون العلوم باللغة الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية، على سبيل المثال)، تكون فُرَصُهم أفضل، في الحصول على وظيفة، و على أجْر أكبر، من نُظَرائهم الذين درسوا العلومَ نفسَها باللغة العربية، لأنّ قطاعات حيوية كبيرة- في الوطن العربيّ-غيْرُ مُعَرَّبة. ومعنى ذلك أنّنا لو عرّبنا هذه القطاعات ، لَحَدَثَ العكس. و من هنا، فإنّ التعريب(إحلال اللغة العربية محلّ اللغة الأجنبية)، يدخل في صميم الحقوق اللغوية للمواطن العربيّ. مع ملاحظة أنّني لم أتحدّث عن حقوق المواطن في الإسلام وهي غنية في هذا المجال. ولعلنا، للاعتبارات المشار إلى بعضها، بحاجة ماسة وعاجلة إلى سياسة لغوية عربية موحدة، تساعدنا على الخروج من هذا الوضع اللغويّ الشاذ.  ومن مظاهر هذا الوضع غير المقبول، ما يلاحظ من عدم حضور اللغة العربية في شؤون الحياة اليومية للمواطن العربيّ( بصفة خاصة في بعض بلدان المغرب العربيّ). من ذلك، أنني تابعتُ في السنة المنصرمة، برنامَجا،على إحدى الفضائيات، اُعِدَّ بمناسبة اليوم العالميّ للغة العربية(18 كانون الأول/ديسمبر). و قد فُوجِئتُ بأنّ أحد المتحدِّثين ،من تونس الشقيقة، يقول إنّ (95) في المائة من مواطني هذا البلد العربيّ الأصيل، يعَبِّئون الصُّكُوكَ(الشيكات)المصرفية باللغة الفرنسية.
لا أدري- في الحقيقة- مدى دقّة هذه النسبة. و على افتراض أنّ هذه المعلومة صادرة عن مصدر موثوق به، فإنّ الأمر يدعو إلى دقّ ناقوس الخطر، وإجراء دراسات وإحصاءات مشابهة في البلدان العربية كافّةً، و في مختلِف القطاعات، لمعرفة مدى استخدام المواطن العربيّ للغته في حياته اليومية.
و يساعد هذا النوع من الإحصاءات في رسم سياسة لغوية عربية لمعالجة بعض الظواهرالخطيرة التي توحي بعدم ثقة المواطن العربيّ في لغته. و لا شكّ في أنّ ضعف استعمال اللغة العربية في هذه القطاعات الحيوية، هو أصل الداء.
و نظرا إلى أنّ اللغة تعيش بالاستعمال، فإنّ من واجبنا جميعا-شعوبًا وحكوماتٍ ومجتمعَا مدنيًّا- أن نعيد النظر في سياسة التعريب في الوطن العربيّ، هذه السياسة التي لن تقوم لها قائمة، قبل اتخاذ قرار سياسيّ ، عاجل وحاسم وملزم، بتعريب التعليم والادارة   وسائر المرافق الحيوية. والأمل معقود على تجاوب القمة العربية المقبلة مع المشروع المزمع عرضه عليها بخصوص إصدار قرار سياديّ، يوجه كل الدول العربية بالتعريب الشامل لمؤسسات التعليم، كما ورد في توصيات مؤتمر التعريب الأخير بالسودان. ومن جهة أخرى، فلا بد من الاهتمام بسلا مة المتداوَل من اللغة العربية، مع ثورة الاتصال وتدفق المعلومات وإتاحتها وانتشارها بيسر وبسرعة غير مسبوقة، وما ترتب على ذلك من انتشار الأخطاء، من كل نوع. ويسرني، في هذا المجال، أن أشرك القراء الكرام في "خاطرة" نشرتها من قبلُ في صفحتي على الفيس بوك، بعنوان: (فرحة لم تكتمل)، جاء فيها: تَغْمُرُني فرحةٌ عارمة وأنا أشقّ "عُبَابَ هذا البحر الهادر المتلاطم الأمواج " ، وأقتَحِمُ هذه" السيولَ الجارفة " ، ممّا يُكتَبُ ، بلغتنا العربية الجميلة ، في صفحات هذا "العالم الافْتِراضِيّ" ، المنقول بواسطة مُحرِّكات البحْث المختلفة، على مواقع التواصل الاجتماعيّ الجماهيريّ المتعدّدة . ومَكْمَنُ فرَحِي وسعادتي ، هو هذا الانتشارُ الواسعُ للغة العربية ، في وسائل الاتصال الحديثة ، في الوقت الذي تُرْمَى فيه بأنها لغة حَجَريَّة مُتَقوْقِعَةٌ ، لا وجود لها- يُذْكَر- إلّا في دواوين الشعر وكتب التراث ... ولكن...ولابُدّ – في بعض الأحيان – من "لكن " الاستدراكية هذه ، عندما أتَوَغَّلُ في القراءة ، أتَأَسَّفُ على " حَجْم الخسائر " التي تتكبدُها اللغة العربية ( نَحْوًا وصَرْفًا وبَلَاغَةً وأُسْلُوبًا...)، وأُدرِكُ أنّ " أسلحة الجهل " ما زالت متفوقة على " أسلحة " اللغة العربية ، وأنّ " إرادة " الجهل ما زالت أقوى من إرادة أهل اللغة العربية !. وحينئذ ، أقول في نفسي: فرحة لم تكتمل!

أرجو أن تكتمل فرحتنا وفرحة أجيالنا القادمة، بالعناية بلغتنا العربية الجميلة، لغة القرآن الكريم، ولغة العلم والأدب والشعر والمعرفة...

ملاحظة:

حرصت على أن يتزامن نشر هذه"الخواطر" مع احتفال بلادنا بالعيد(53) للاستقلال، مهنئا وطننا الغالي بهذه المناسبة السعيدة، راجيا أن نقف وقفة تأمل حول ما أُنجِزفي هذا المجال، خلال هذه العقود الخمسة، و آملًا أن  تلتفت بلاد "المليون شاعر" التفاتة جادة إلى لغة الشعر(والشعرديوان العرب). ونحن عرب بكل تأكيد.(إن لم تقم بينات أننا عرب * ففي اللسان بيان أننا عرب).

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

تفصيح العامية (30)




*"شَارْ": أَشَارَ (faire un signe, faire un geste). "شَارْ لُ": أَشارَ إليه، وبيده أو نحوِها: أومَأَ إليه مُعَبِّرًا عن معنًى من المعاني، كالدعوة إلى الدخول أو الخروج. أشار عليه بكذا: نصحه أن يفعله مبينًا ما فيه من صواب. أشار إلى أمر: faire allusion à une chose. "شَارْ بَيْدُ": أشار بيده: faire un signe de la main. إشارة باليد: un geste de la main. "لِشَارَه": الإشارة: تعيين الشيء باليد ونحوها. والتلويح بشيء يُفهَم منه المُراد. و يلاحَظ أنّ الفعل، في الحسانية "شَارْ"  تَحَرَّر(تَخَفَّفَ) من الهمزة. وكذلك الاسم"لِشَارَه".
*"ؤُعَ": استيقظ من نومه (se réveiller). "وَعَّ" فلانا (réveiller qn.): أيقظه من نومه. يقال، في الحسانية (في حالة الاستفهام): فلان "وَاعِ واللَّ رَاگِدْ"؟ : مستيقظ أم نائم/ راقد ؟ و"الْوِعْيَانْ": الاستيقاظ. و"الرْگادْ" (براء ساكنة ومرققة): النوم/ الرُّقاد.
*"مِشَّوَّشْ": يقال، في الحسانية: فلان "مِشَّوَّشْ" الأهل: مشتاق إليهم. و الشَّوَّشْ" الأهل: اشتاق إليهم. والشوق: نزوع النفْسِ إلى الشيء، أو تعلقها به. ج. أشواق. وفي الفصحى، تَشَوَّشَ عليه الأمرُ(s'embrouiller): اختلطَ والتبَسَ. والمشوَّش: غير المرتَّب. بمعنى أنّ الشخص "الْمِشَّوَّشْ" تصبح أفكاره غير مرتَّبة. تَشَوُّشُ الأفكارِ: confusion des idées.
*"شَافْ": رَأَى/ أَبصَرَ/ نَظَرَ(voir). و في الفصحى: شَافَ يَشوف شَوْفًا: أَشْرَفَ ونَظَرَ.
*"افُّورْشَتْ": شَوْكَة (une fourchette): أداة ذات أصابع دقيقة كالشوكة (épine) يُتناوَل بها بعض الطعام (من المحدَث: اللفظ الذي استعمله المُحدَثون في العصر الحديث، وشاعَ في لغة الحياة العامة).
*"الشَّالْ": الشَّالُ (le châle): رِداء، من صوف أو حرير أو نحوهما، يوضَع على المنكبيْنِ ويُلَف على الصدرِ، أو يوضَع على الرأسِ.
*"شَ": شاة: الواحدة من الضأن والمعز والظِّباء والبقر والنّعام وحُمُر الوحْش.  يقال للذكَر والأنثَى. ج. شاءٌ، وشِيَاهٌ. وفي الحسانية: الواحدة من الضأن والمعز، بصفة خاصة (يقال: "شَ مِنْ لِغْنَمْ"). وبالنسبة إلى الظباء، يقال: "عَنْزْ دِمْيَانْ" أو "عَنْزْ أَمْهَارْ". ولا يقال: "شَاتْ أَمْهَارْ" أو "شَاتْ دِمْيَانْ".
*"صَيْفَطْ" زائراreconduire un visiteur) ): شَيَّعَه: خرَجَ معه ليودّعه، أو يبلغه منزله. وشَيَّعَ ضيفًا(escorter un hôte). ويقال: شَيَّعَ الجنازة (funérailles, obsèques). و"التَّامْصِفَاطْ": الخروج مع الزائر لتوديعه. وإعطاء الضيف هدية (cadeau, présent) قبل سفره/ مغادرته. و"التِّلِگْيَه": الاستقبال (( accueil. و"التْمَرْحِيبْ" (براء مرققة): الترحيب (bon accueil).
*"الصِّبَانَه" ج. "الصِّبَانْ": الصُّؤَابَة: بَيْضة القَمْلِ. ج.صُؤَابٌ، وصِئْبَانٌ. وصَئِبَ الرأسُ يَصْأَب صَأْبًا: كَثرَ صُؤَابُه"صِبَانُ". ويلاحَظ أنّ الجمع، في الحسانية"صِبَانْ" تَخَفَّفَ من الهمزة في الفصحى(صِئْبَان).
*"لَدَبِ": تُستخدَم هذه الكلمة بلفظها الفرنسيّ ، في الحسانية. وبما أنّ الكلمة تأخذ معناها من السياق الواردة فيه، أو من خلال طريقة كتابتها، أو نطقها، فيجب أن نميز بين (le début): البِداية، و (le débit): الصَّبِيب/ التَّدَفُّف، إلخ. والجانب المَدِين، في مقابل الجانِب الدائن. مثال ذلك: الخُصوم والأُصول (débit et crédit). مع ملاحظة أنّ المتحدثين بالفرنسية يفرقون بين الكلمتين(début et débit) عن طريق النطق، إذا كانوا يعرفون طريقة كتابتهما، وهذا أمر يغيب أحيانا عن المتحدث بالحسانية.
*"الصْبُوحْ": الفُطُور (le petit déjeuner): الطعام يُتناوَل صَباحًا. والصَّبُوح: ما يُشرَب أو يُؤكل في الصباح. وهو خِلاف: الغَبُوق: ما يُشرَب بالعَشِيِّ. وما يُحْلَب بالعَشِيِّ. ج. غَبائق. ومن ثَمَّ فإنّ الكلمة الحسانية فصيحة، لا غبار عليها. و"الصْوَيْبْحَه": وجبة موريتانية، تُعَدّ صباحا أو ضُحًى، أساسها دقيق بعض الحبوب "ازْرَعْ" والماء، تُؤكَل ساخنة، بعد نضجها على نار هادئة، وإدامها بالحليب الطازج، ويكون ذلك عادة في فترة الشتاء (فترة البرد).
*"التَّصْبِيرَه"(كلمة عربية): التصبيرة: ما يتناولُه الجائع يستعين به على الصبر حتى ينضج الطعام، أو يحين وقتُ تناوله(من المحدَث: اللفظ الذي استعمله المحدَثون في العصر الحديث، وشاع في لغة الحياة العامة). وهي: اللُّهْنة (بضم اللام)، والسُّلفة (بضم السين).
*"إِيشِّيرْ"، المؤنث: "تِيشِّيرِتْ"، ج. "إِشَاشْرَ": يُطلَق هذا اللفظ، في الحسانية، على: الطِّفل/ الوَلِيد/ الرَّضِيع(le bébé, le nouveau né)، وفي هذه الحال، قد يقال: "إِيشِّيرْ اخْلَاگ" أو "تِيشِّيرِتْ اخْلَاگ". كما يُطلَق على الصّبِيِّ (le garçon)، وهو: الصغير دون الغلام، أو من لم يُفطَم بعدُ. والصبية (fille ou jeune fille): مؤنث الصبي. ويقال، في الحسانية: كم عند فلان من "إِشَاشْرَ"؟ أو من "التِّرْكَه" ؟ (براء مرققة)، أي كم عنده من الأبناء ؟ (ذكور أو إناث)، بصرف النظر عمّا إذا كانوا صغارا أو كبارا.
*"السَّحُ"، في الحسانية: رياح خفيفة تأتي أحيانا في نهاية المطر وانكشاف الغيوم (les nuages). وبعضم ينطقها بالصاد"الصَّحُ"، وهو أقرب إلى الفصحى. الصَّحْوُ (le beau temps). يقال: يوم صَحْوٌ، وسماء صحو: ليس فيهما غَيْمٌ.
*"الصَّدْوَه": الصَّدَأ (la rouille): طبقة هشة، تعلو الحديدَ ونحوَه من المعادن، وتحدث من اتحاده ببعض عناصر الهواء، ويسمَّى كيميائيا: الأكسيد.
*"اظْبَحْ": ضَبَحَ. يقال، في الحسانية: فلان ظل اليوم "يَظْبَحْ": يتكلم بصوت عالٍ "إِخَاصِمْ". ضَبَحَ الثعلب يَضْبَح ضَبْحًا: صَوَّتَ. وفي حديث ابن الزبير: (قاتَل اللهُ فلانا ضبح ضبحة الثعلب، وقَبَعَ قبْعَة القنفذ). ويقال: ضبح الإنسان، والبُوم، والقوْس. وضبحت الخيل: صوتت أنفاسُها في جَوفها حين العَدْوِ. وفي التنزيل العزيز: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا). المرجع: المعجم الوسيط.
*"الظْرَعْ": الضَّرْع (le pis): مَدَرُّ اللَّبَن. ج. ضُروع. ويقال: ما له زَرْع ولا ضَرْع: ما له شيء. الزرع والضرع: agriculture et élevage. الضَّرْعاء: العَظِيمة الضرْع. الضَّرِيع: يقال: شاة ضَرِيع: حَسَنَة الضرْع. و"الْخَنْدُودْ": الضَّفُوف: من الإبِل والشاء: الغزيرة اللبَن. ج. ضُفُفٌ "اخْنَادِيدْ". ومن العيون: الغزيرة الماء. ج. ضُفُفٌ.
*"الظَّارِ": الضَّارِي (féroce): من الجَوارِح والكِلاب: المُدَرَّب على الصيْد. ومن السِّباع: المولع بأكل اللحْم. على سبيل المثال: النَّمِر حيوان ضارٍ: le tigre est un animal féroce. ومن الماشية: المُعتاد رعْيَ زروع الناس. ج. ضَوَارٍ (bêtes féroces).
*"گژْرِتْ(النقط الثلاث على الزاي تدل على نطقها مفخَّمة) الدابة أو "خَبْطِتْ" برجلها: ضَفَنَت الدابّةُ برِجلها: خَبَطَتْ بها. ويقال: ضَفَنَتْه برِجْلِها "گژَّرْتُ" أو "خَبِطْتُ".
*"الظَّالَّه": الضّالَّة(حدث تبادل بين الضاد والظاء): كلُّ ما ضَلَّ، أي ضاعَ وفُقِدَ من المحسوسات والمعقولات، أو من البهائم خاصة. ويقال: (الحِكمة ضالّة المؤمن). ج. ضَوَالُّ. وفي المثَل الحسانيّ: "الظَّالَّه مَا الْهَ گِمْنَ مِنْ گِمْنَ": ينبغي البحث عنها في أيّ مكان، ولو في غير مظانها. "مَا الْهَ": ليس لها. "گِمْنَ": مظَنَّة.
*"نَيْرَبْ"(براء مرققة): أَرْنَب (un lapin): جِنْس من فصيلة الأرانب ورتبة القوارض، وهي حيوانات كثيرة الانتشار، ويغطّي جِسمَها فَرْوٌ ناعِم، ومنها البريّ/ الوحشيّ (lièvre)، والداجِن، يكون للذكر والأنثى، أو الأرنب: الأنثى(lapine, hase)، والخُزَر: الذكَر(lapin). ج. أَرانِب، وأرانٍ.  أرنب صغير/ خِرْنَق(lapereau). ويُجمَع الخِرْنَق على: خرانق. والأرنبة: واحدة الأرانب. وأرنبة الأنف (le bout du nez): طَرَفه.
*"الرَّنْگْ": الصَّفّ/ الطّابور(le rang)، ج.(على التوالي): صُفوف، و طوابير. رَصًّ الصفوفَ: serrer les rangs. والطّابور: جماعة العسكر من ثماني مائة إلى ألف (bataillon). والطابور الخامس، في العُرف السياسيّ: أنصار العدو من أهل البلد أو المقيمين فيه.
*"النَّوْبَة"، في الفصحى: اسم من المناوبة. يقال: جاءت نوبتُه. والنازِلة. يقال: اعترته نوبة عصبية، أو نوبة جنون. والفُرصة. يقال: أصبح لا نوبة له: فاتته الفرصة. والجماعة من الناس. ج. نُوَبٌ. وفي الحسانية: الفترة (pèriode). يقال: "نَوْبْتْ" برد: فترة برد، و"نوبتْ" جفاف: فترة جفاف، و "نَوْبِتْنَا" بالمكان الفلاني: الفترة التي كنا فيها بالمكان الفلاني، وفي هذه "النوبة" الجو جميل: في هذه الفترة الجو جميل، إلخ.
*فلان "مِثَّقَّلْ" أو "امْثَقْلْ اعْلِيهْ شِ": متضايق: شَقَّ عليه أمر/ أو ثَقَّلَ عليه. ويقال: أثقله المرضُ، أو الدَّيْن، إلخ. تَضايَقَ(être mal à l'aise, être gêné, ennuyé): ضَاقَ. وتضايق منه: لم يحتمله، أو أظهرَ الضيقَ.
*"دَنْكَسْ رَاصُ": طَأْطَأَ رأسَه (baisser la tête). طَأْطَأَ الرأسَ خَجَلًا: baisser la tête de honte. وتَطَأَطَأَ: انخفضَ وتصاغَرَ. يقال: تَطَأْطَأَ له. وأطْرَق (incliner la tête en silence): أَمال رأسَه إلى صدْره  وسكتَ فلم يتكلَّمْ. وسكت لحيرة أو خوف أو نحوِهما.

السبت، 23 نوفمبر 2013

العرب لا يستحقون لغتهم




هذه عبارة تُعزى للمستشرق الفرنسيّ/ ريجيس ابلاشير(Régis Blachere)، يُفهَم منها – على الأقل- أنّ العرب لا يقدِّرون اللغة العربية حق قدرها. هذه اللغة، الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ البشريّ، والتي تتنبأ الدراسات الإستراتيجية الحديثة بأنها ستكون ضمن اللغات الخمس العملاقة في العالم، بحلول العام(2050م). ومع ذلك، فإننا نجد بعض الأشخاص، المحسوبين على جهات معادية للغة العربية، ينادون بضرورة الاستمرار في تدريس المواد العلمية باللغة الأجنبية، متذرعين بأن اللغة العربية غير قادرة على القيام بهذه المَهمة. وممّا يُؤسَف له أنّ أصحابَ هذه الدعوة المضللة، يجدون آذانا صاغية لدى معظم أصحاب القرار، في الوطن العربي، الذين ما زالوا يترددون ويتخوفون من الإقدام على تعريب التعليم الجامعيّ، متوجسين خيفة ممّا قد يترتب على ذلك من تعقيدات، في الوقت الذي يؤكد فيه أصحاب الاختصاص أنّ هذا التخوف ليس في محله ولا مسَوِّغ له إطلاقا، لأنّ اللغة العربية قادرة بكل جدارة على نقل العلوم والمعارف ومواكبة العصر. ويبدو أن أعداء اللغة العربية قد أدركوا أن حججهم لم تعد تُقنِع أحدا، وأنّ محاولاتهم اليائسة، لتبخيس اللغة العربية والتقليل من شأنها، باءت بالفشل الذريع، فتفتقت"عبقريتهم" مؤخرا عن فكرة-جديدة/قديمة-جسَّدوها في توصيات يطالبون فيها باعتماد الدارجة في التعليم، بدلا من العربية الفصيحة ! والسؤال الذي يطرح نفسه، بهذا الخصوص، هو: إذا كان هؤلاء يرون أنّ العربية الفصحى غير مؤهلة لأن تحل محل اللغة الأجنبية في التدريس، فهل الدارجة مؤهلة لأن تقوم بهذه المَهمة ؟ الجواب واضح، ولا يحتاج إلى تفكير، فالهدف من كل هذا هو إخلاء الجو للغة الأجنبية لتظل مهيمنة على التعليم، عن طريق إزاحة العربية الفصحى من طريقها، إذ هي وحدها القادرة على منافستها وإقصائها، وهو ما تعجز عنه الدارجة التي لا تتوفر على مقومات اللغة العالمة التي تتوفر عليها الفصحى، الأمر الذي يجعل هذه الأخيرة تتعامل مع اللغة الأجنبية معاملة الندّ للندّ، بل تتفوق عليها.

وقد أحدثت هذه الدعوة ردة فعل قوية، لدى العديد من الأوساط الفكرية والثقافية المغربية، وتعالت أصوات الاستهجان والاستنكار لهذا العبث بقيم الأمة وحضارتها وهُويتها...فقد صدر بيان عن الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، جاء فيه:

" تبعا لما صرح به أحد المحسوبين على تيار الدعوة لسياسة الفرنسة ببلادنا، في مذكرته الرامية إلى إلغاء اللغة العربية، واعتماد اللهجة الدارجة، وتدريس العلوم بلغة أجنبية، وإبعاد الدين عن المراحل الأولى من التعليم الأوليّ، خاصة في الكتاتيب، فإننا في الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، ندين بشدة ما ورد في هذه المذكرة، حول اعتماد الدارجة المغربية في التعليم، وما جاء فيها جملة وتفصيلا، إذ تعتبره الجمعية تصريحا ينم عن جهل بمعتقدات الأمة، وهُويتها وحضارتها الضاربة في عمق التاريخ، وما الاستياء العام في أوساط محبي اللغة العربية وجميع شرائح الشعب المغربيّ المعتزة بدينها ولغتها وثقافتها، وبهُويتها، إلّا دليل على شجب وإدانة المذكرة المذكورة ومن يسير في ركبها. إنّ اللغة العربية لغة خالدة، لأنها تحمل في أحشائها ما يضمن لها الخلود، فهي متطورة ومتجددة وعصرية. ولئن كان التعليم المغربيّ يحتل مراتب متأخرة في العالم، فذلك راجع إلى السياسات المتعاقبة في البلاد التي لم تحسم في المسألة التربوية، وزاغت عن المبادئ الأساسية التي وضعت لتطوير مجال التربية والتكوين، وأوقفت تدريس المواد العلمية باللغة العربية بقسم البكالوريا ولم تمض به إلى منتهاه بالجامعة المغربية وأحجمت عن تطبيق البند(114) من ميثاق التربية والتكوين، وهذا هو السبب الرئيس للأزمة المغربية في التعليم. ومثل هذه المذكرات الحاقدة على اللغة العربية، لا تزيد الشعب المغربيّ إلّا تمسكا بلغته، ولا تزيد اللغة العربية إلّا صمودا وثباتا وقوة. إنّ الشعب المغربي، ومعه قواه الحية كافّةً، متمسكون بقيمهم الأصيلة وبلغتهم المثالية، ودينهم الحنيف المعتدل، يشجبون مثل هذه التصريحات غير المؤسسة، رغبة في زرع الفتنة والبلبلة، وتحقيرا للتربية في بلاد المغرب، التي تحتاج إلى إصلاح بإشراك الجميع من أجل تصحيح مسارها، ووضع حد للتطفل في الحقل التربويّ، لأنه العمود الفقريّ لكل تنمية وتحضر وتمدن".

وكتب وزير الثقافة المغربيّ السابق/ بنسالم حِمِّيش/ مقالا حول الموضوع(نُشِر في جريدة "المساء" المغربية. العدد: 2225 بتاريخ: 21 نوفمبر 2013م)، جاء فيه "...إذا كانت اللغة العربية إرثا حضاريا تملكناه واستثمرنا فيه منذ قرون عدة، أدبيا وفكريا وعلميا، واشتققنا منه عاميتنا السارية في جهات بلادنا الأربع، وإذا كانت تلك اللغة من مقومات هُويتنا التاريخية، ودسترناها منذ فجر الاستقلال، فالواجب الجماعيّ والعينيّ اليوم يقضي بحمايتها وصيانتها من حملات التهجين والتبخيس، وذلك بدءا بصياغة مشروع قانون تعرضه الحكومة على السلطة التشريعية كي يصبح، في أجل مقبول، ساري الوقع والمفعول في الإدارات والمؤسسات العمومية والفضاءات التجارية وحتى في بعض القطاعات الحكومية والمندوبيات، ولِمَ لا حتى في القطاع الخاص أيضا، وذلك تأكيدا لتنزيل دسترتها القديمة منذ 07 ديسمبر 1962م...".





وبنظرة موضوعية لهذا الجَدَل، القديم/ الجديد، حول اللغة العربية ومدى صلاحيتها لأن تكون لغة التدريس والإدارة وسائر المرافق الحيوية، وهل العامية أصلح لهذ ه الأغراض من الفصحى، وهل، وهل...يرى أهل العلم والاختصاص أن العيب ليس في اللغة العربية الفصحى، وكل ما في الأمر هو أن العرب لا يولون الاهتمام الكافي لهذه اللغة العظيمة، وهذا ما ذكره/ ابلاشير/ عندما قال: "إنّ العرب لا يستحقون لغتهم".

إنّ اللغة العربية تنتشر اليوم عالميا بسرعة فائقة، وتبرهن يوما بعد يوم- كما برهنت في الماضي- على أنها لغة الحاضر والمستقبل، ولا ينقصها إلّا اتخاذ بعض التدابير اللازمة لإعادة الاعتبار إليها. من ذلك:


1-اعتماد سياسة لغوية رشيدة، تتضمن تخطيطا لغويا محكما، وتعمل على ضبط المناهج، والإعداد الجيد للمعلم، والعناية بكل ما يمت بصلة لعملية التعليم والتعلم، مع العمل على تيسير فهم اللغة، وتقليص الفروق بين اللغة العربية الفصيحة والعاميات العربية، بكل الوسائل الممكنة، ومن بينها: إعادة الألفاظ العامية إلى أصولها الفصيحة، إن وُجِدت، ووضع البديل الفصيح للفظ العامّيّ، وإدخال الحصيلة في المعجم اللغويّ الحديث، الأمر الذي من شأنه تقريب لغة التدريس من لغة التخاطب العادي، وفي ذلك إغناء للغة الفصيحة وتيسير لفهمها واستيعابها (يرجى الاطلاع على سلسلة "تفصيح العامية"، المنشورة إلكترونيا).

2-العمل على تنمية اللغة العربية وتطويرها، لتزداد قدرة على منافسة اللغات الحية الأخرى في نقل علوم العصر والتعبير عن مستجِدّاته. ولا يعني ذلك أنّ اللغة العربية عاجزة في الوقت الراهن عن نقل العلوم والمعارف، لكن تنميتها تظل ضرورية في هذا العصر المتسم بالتطور المتسارع وبالتغيير المستمر. ويأتي استعمال اللغة العربية، في التدريس والإدارة وسائر المرافق الحيوية، على رأس وسائل تنميتها وتطويرها. فالعضو الذي لا يُستعمَل يضعف ثم يموت. والعِلم يَزْكو بالاستعمال. واللغة كذلك تزكو وتنمو بالاستعمال، من خلال غَوْص مستعملِيها في أعماقها لاستكشاف أسرارها وقدرتها على تلبية حاجات التعبير والتفاعل مع محيطها. وهنا تكمن أهمية القرار السياسيّ القاضي باستعمال اللغة العربية في التعليم، بجميع مستوياته. وفي هذا الإطار، يقول د. فؤاد أبو علي/ رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية:

"...اللغة القومية، زيادة على بعدها الهوياتي الوحدويّ، تشكل مدخلا رئيسا للتطور والإنتاج الاقتصاديّ...وجود لغة جامعة وموحدة يساهم في رفع مستوى أفراد أي مجتمع. وهذا لن يتأتى بدون أن تكون هذه اللغة هي لغة التدريس كما هو الشأن في الدول المتقدمة..."

وكتب/ عبد الله الدامون/ مقالا، في عمود"صباح الخير" بجريدة"المساء" المغربية، العدد: 2227، جاء فيه:."...كنت أتمنى أن هؤلاء المتخلفين، عقليا وحضاريا، الذين يدعون إلى استعمال الدارجة في المدرسة والثقافة، قرؤوا التاريخ قليلا وعرفوا ما حدث في مناطق كثيرة من العالم، حيث توجد لغات أو لهجات للحديث بين الناس، ولغات أخرى للعلوم والثقافة والتعليم...كنت أتمنى لو أنّ الدعوة إلى تعميم الدارجة ممكنة، لكن المشكلة هي أيّ دارجة سنعتمدها في مدارسنا، هل هي دارجة الجنوب أم الشمال أم دكالة أم عبدة أم وجدة أم بركان أم اصويرة أم تاونات أم تافراوت ؟ ثم مَن هذا المغربيّ الحر الذي يقبل أن يتعلم أبناؤه في المدرسة دارجة غريبة عنه ولا يتحدثها بين أهله ؟...".

ولا يفوتني، في الختام، أن أذكِّر بأنّ اللغة العربية الفصيحة، لغة القرآن الكريم، تعَدّ عاملَ وحدة، لا غنًى عنه، وهي أهم رباط، بعد عقيدة الإسلام، يربط بين مكونات شعبنا العربيّ، من المحيط إلى الخليج، ويجب أن نعَض عليها بالنواجذ ونتيح لها الفرصة لتبرهن على قدرتها على مسايرة العصر، وهي جديرة بذلك.

دليل المترجم (2354):

  25001- مَرْكَبٌ جَوِّيٌّ (مُنْطَادٌ مُوَجَّهٌ): un aéronef . 25002- مَرْكَبُ الدَّلِيلِ (مَرْكَبُ إِرْشَادِ السُّفُنِ، سَفِينَةُ إِرْشَا...