السبت، 20 يونيو 2020

بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالخَصْخَصَةِ، وَالخَاصِّ وَالخُصُوصِيِّ؟



جاء في تدوينة للأستاذ الفاضل/ إبراهيم ولد الشيخ سيديا، حفِظه اللهُ:
"التخصيص أم الخصخصة: اللفظان المذكوران أيهما أصح لغويا للدلالة على تحويل ملكية المنشآت العمومية إلى القطاع الخصوصي، وهل العبارة الأخيرة أصح من عبارة (القطاع الخاص)؟".
الجواب، والله أعلم:
في إطار استعمال الكلمات والاصطلاحات، ينبغي لنا أن نفرق بين الكلمة والمصطلح، وبين المصطلحات الأدبية والمصطلحات العلمية. يقال إنّ للكلمةِ مَعْنًى (sense-sens)، وللمصطلح مَفْهُومًا (concept).
 في المصطلحات الأدبية، نستعمل (كما نشاء) كلمات جميلة منمقة فضفاضة (إنشائية في بعض الأحيان) قد تحتمل أكثر من معنًى.
في المصطلحات العلمية، نحرص على دقة التعبير عن المفهوم العلمي أكثر من حرصنا على جمال اللغة (بمعنى أن لغة العلوم قد تكون جافة، حرصًا على الدقة).
 سنتحدث هنا عن التقابُل بين اللغات (العربية واللغات الأجنبية/ الإنجليزية والفرنسية بصفة خاصة).
في مؤتمرات التعريب الدورية التي ينظمها مكتب تنسيق التعريب بالرباط (التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، ويحضرها ممثلو المجامع العلمية واللغوية العربية، نعتمد منهجية خاصة باختيار المصطلحات وتوحيدها (أعدها مكتب تنسيق التعريب، وحصلت على موافقة المجامع).
 من مبادئ هذه المنهجية:
وَضْعُ مُصْطلَحٍ وَاحِدٍ، لِلمَفْهُومِ العِلْمِيِّ الوَاحِدِ ذِي المَضْمُونِ الوَاحِدِ، فِي الحَقْلِ الوَاحِدِ.
 وَتَفْضِيلُ الكَلِمَةِ الدَّقِيقَةِ عَلَى الكَلِمَةِ العَامَّةِ،  خَوْفًا مِنْ أَنْ يَلْتَبِسَ مَعْنَى المُصْطَلَحِ العِلْمِيِّ بِالمَعْنَى الشَّائِعِ المُتَدَاوَلِ لِتِلْكَ الكَلِمَةِ.
مَعَ مُرَاعَاةِ اتِّفَاقِ المُصْطَلَحِ العَرَبِيِّ مَعَ المَفْهُومِ العِلْمِيِّ لِلمُصْطَلَحِ الأَجْنَبِيِّ.
ويرى بعضهم أنّ المصطلح يشبه الاسم الذي نسمي به المولود الجديد، فقد وُضِعَ الاسم ليميز المولود عن غيره.
 ولعل هذا التوجُّهَ يجعلنا نتفهَّم مُسَوِّغ اقتراح "الخَصْخَصَة"، للتعبير عن تحويل منشأة تجارية من ملكية الدولة إلى ملكية القطاع الخاص. إذْ يرى أصحاب هذا الاقتراح أنّ "التخصيص" كلمة عامة، تأخذ معناها من السياق الواردة فيه.
 يُشار هنا إلى أنّنا في مؤتمرات التعريب، وجدنا حلّا لهذه المشكلة يتجسّد في وضع تعريف مختصر (جامع مانع) للمصطلح حسَب الحقل المعرفيّ الذي يرد فيه.
من ذلك ما يرد في المعاجم الصادرة عن مكتب تنسيق التعرب.
 نجد مثلًا، في المعجم الموحد لمصطلحات التقنيات التربوية والحاسوبية (إنجليزي-فرنسي-عربي): تَخْصِيص (محتوى يمكن أن يكون مصمما لتلبية احتياجات المتعلم، وقد يتضمن آراء كعرض نص أو الاستماع إلى الصوت، وبطبيعة الحال نمط الإبْحار، إلخ): personalization-personnalisation.
وجاء في المعجم الموحد لمصطلحات تقانة (تكنولوجيا) المعلومات: إِسْنَادٌ، تَخْصِيص (إعطاء قيمة لمتغير، أو تخصيص جزء من مكونات الحاسوب من أجل غرض معين): assignment-affectation.
وجاء في المعجم الموحد لمصطلحات علوم السياحة: تَخْصِيص (دون تعريف، لأن معاجم المكتب القديمة لم تهتم بالتعريف لجميع المصطلحات. صدر المعجم سنة 1999م): allocation-allocation.
وجاء في المعجم الموحد لمصطلحات علوم البحار: تَخْصِيص، تَحْدِيد (دون تعريف. صدر المعجم سنة 2000م): allocation-affectation, assignation.
في بعض المعاجم اللغوية العامة، نجد:
خَصَّصَ (يُخَصِّصُ تَخْصِيصًا) الشَّيْءَ: جَعَلَهُ خَاصًّا.
 بِمَعْنَى أَنَّ التَخْصِيصَ خِلَافُ التَّعْمِيمِ (جَعْلُ الشَّيْءِ عَامًّا).
والخَاصُّ: المحدود، وهو خِلاف العَامّ: المُشاع. يقال: القطاع الخاص. والقطاع العام.
 والخُصُوصِيُّ: خلاف العُمُومِيّ. يقال: القطاع الخصوصيّ، والقطاع العمُوميّ.
 لا أرى فرقا جوهريًّا بين التعبيريْن (خاص وخصوصيّ، وعامّ وعموميّ).
في الختام، أرى أن الأفضل-فيما يتعلق بالسؤال- اعتماد "التَّخْصِيص"، للتعبير عن "تحويل مُنشآت عامة من ملكية الدولة إلى ملكية القطاع الخاص.
ولا بد من وضع تعريف مختصر يحدد مفهوم التخصيص (حسب السياقات والحقول المعرفية التي يرد فيها). وفي حالة غياب التعريف، سيكون المفهومُ مُبهَمًا. وهذا ما جعل بعضهم يقترح الخَصْخَصَة" أو "الخوصَصَة"، لينصرف ذهن المتلقي مباشرةً إلى معنى نقل الملكية (موضوع السؤال).
وقد ورد-على سبيل المثال- في "المنهل/ معجم فرنسي عربي، تأليف الدكتور سهيل إدريس": التَّخْصِيص (تحويل ما هو من القطاع العام إلى القطاع الخاص): la privatisation.
ولا بد في هذا المجال من الإشارة إلى أنّنا قد نأخذ على مجامعنا اللغوية البطء في العمل، لكن ما يصدر عنها يكون له في الغالب وجه من الصحة. ثم إنّ ما تُجيزُه المجامع يدخل في باب "الرخصة"، ولا يعني أنه يتساوى-بالضرورة- مع غيره في درجة الفصاحة. ونجد دائما اختلافا بين آراء المَجمَعِيّين (داخل كل مجمَع على حدة، وفي الاجتماعات السنوية التي يعقدها اتحاد المجامع بالقاهرة)، فمنهم مَن يميل إلى التشدّد، ومنهم من يميل إلى التيسير. ولعل الصواب، التزام الوسط (منزلة بين المنزلتيْن).
نرجو من المسؤولين في الأقطار العربية، أن يعملوا على إدخال المصطلحات الموحدة في المقررات الدراسية، حتى تكتسب الشيوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2402):

  25481- مَسَامُّ (ثُقَبٌ وَمَنَافِذُ عَلَى ظَهْرِ جِلْدِ الجِسْمِ يَتَخَلَّلُهَا الشَّعْرُ): pores . مَسَامُّ الجِسْمِ: pores de la peau . ...