في: أسرار العربية.
فِي اللَّازِمِ بِالأَلِفِ يَجِيءُ مِنْ
لَفْظِهِ مُتَعَدٍّ بِغَيْرِ أَلِفٍ:
أَلِفُ التَّعْدِيَةِ، رُبَّمَا تَكُونُ
لِلشَّيْءِ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ الفَاعِلُ بِهِ ذَلِكَ بِلَا أَلِفٍ،
كَقَوْلِهِمْ: أَقْشَعَ الغَيْمُ، وَقَشَعَتْهُ الرِّيحُ. وَأَنْزَفَتِ البِئْرُ:
ذَهَبَ مَاؤُهَا. وَنَزَفْنَاهَا نَحْنُ. وَأَنْسَلَ رِيشُ الطَّائِرِ،
وَنَسَلْتُهُ أَنَا. وَأَكَبَّ فُلَانٌ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَبَبْتُهُ أَنَا. وفي
القرآن الكريم: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى) 22/ الملك.
وقالَ عَزَّ اسْمُهُ: (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) 90/ النمل.
فِي الحَذْفِ والاخْتِصَارِ:
مِنْ سُنَنِ العَرَبِ أَنْ تَحْذِفَ الأَلِفَ
مِنْ "ما" إِذَا اسْتَفْهَمْتَ بِهَا، فتقول: بِمَ، وَلِمَ، وَمِمَّ،
وَعَلَامَ، وَفِيمَ؟
قال تعالى: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا)
43/ النازعات. وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ
النَّبَإِ العَظِيمِ) 1 و2/ النَّبأ. أَيْ: عَنْ ما. فَأَدْغَمَ النُّونَ فِي
المِيمِ. وَمِنَ الحَذْفِ لِلِاخْتِصَارِ، قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: (يَعْلَمُ
السِّرَّ وَأَخْفَى) 7/ طه. أَيْ: السِّرَّ وَأَخْفَى مِنْهُ، فَحَذَفَ.
وَقَوْلُهُ: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ) 50/ القمر. أَيْ: إِمْرَةٌ
وَاحِدَةٌ أَوْ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنَ الحَذْفِ، قَوْلُهُمْ: لَمْ أُبَلْ، وَلَمْ
أُبَالِ. وَقَوْلُهُمْ: لَمْ أَكُ، وَلَمْ أَكُنْ. وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ: (وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) 9/ مريم. وَمِنْ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
مِنْ قَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) 26/
القيامة. وَقَوْله: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ) 32/ ص. وَقَوْلُهُ: (كُلُّ مَنْ
عَلَيْهَا فَانٍ) 26/ الرحمن. فَحَذَفَ النَّفْسَ، وَالشَّمْسَ، وَالأَرْضَ
إِيجَازًا وَاخْتِصَارًا. وَمِنْ ذَلِكَ حَذْفُ حَرْفِ النِّدَاءِ، كَقَوْلِهِمْ:
زَيْدُ تَعَالَ وَعَمْرُو اذْهَبْ: أَيْ يَا زَيْدُ وَيَا عَمْرُو. وفي القرآن
الكريم: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) 29/ يوسف. أَيْ: يَا يُوسُفُ. وَمِنْ
ذَلِكَ حَذْفُ أَوَاخِرِ الأَسْمَاءِ المُفْرَدَةِ المُعَرَّفَةِ فِي النِّدَاءِ،
دُونَ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِمْ: يَا حَارِ، وَيَا مَالِ، وَيَا صَاحِ، أَيْ: يَا حَارِثُ،
وَيَا مَالِكُ، وَيَا صَاحِبِي. وَيُقَالُ لِهَذَا الحَذْفِ: التَّرْخِيمُ. وقال
امرُؤُ القيس:
أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ
* وإنْ كنتِ قد أَزْمَعْتِ صرمي فأجْملي.
وقال عمرو بن العاص:
مُعَاوِيُ لا أُعطيكَ دِيني وَلم أنَلْ * بهِ
منكَ دُنْيَا فانظُرَنْ كيفَ تَصْنَعُ.
ومن ذلك قولُهم: بِاللهِ !، أَيْ: أَحْلِفُ بِالله. فَحَذَفُوا
(أَحْلِفُ) لِلعِلْمِ بِهِ، وَالاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكْرِهِ. وقولهم: بسم
الله !، أَيْ:
أَبْتَدِئُ بِسْمِ اللهِ. ومن ذلك حذف الألِف منه لكَثرة الاستعمال. ومن ذلك ما
تَقَدَّمَ ذِكرُه في حِفْظِ التوازُن، كقوله عَزَّ ذِكْرُهُ: (وَاللَّيْلِ إِذَا
يَسْرِ) 4/ الفجر. و(الكَبِيرُ المُتَعَالِ) 9/ الرعد. و(يَوْمَ التَّلَاقِ) 15/
غافر. ومن ذلك حذف التنوين من قولك: مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وزَيْدُ بنُ عمرو.
وحذْف نون التَّثْنية عِندَ النَّفْيِ، كقولِك: لَا غُلَامَيْ لَكَ، ولَا يَدَيْ
لِزَيْدٍ، وَقَمِيصٌ لَا كُمَّيْ لَهُ. ومن ذلك حذف "نون" الجمع عند
الإضافة، في قولك: هؤُلاءِ سَاكِنُو مَكَّةَ، وَمُسْلِمُو القَوْمِ. ومن الحذف
قولُهم: واللهِ أَفْعَلُ ذَلِكَ، يُرِيدُونَ: واللهِ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ. ومن
الحذْف قولُه عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا
لَكُمْ) 171/ النساء. فَنَصَبَ "خَيْرًا" بِالإضْمَارِ، أَيْ: يَكُنِ
الانْتِهَاءُ خَيْرًا لَكُمْ. فَنَصَبَ "خَيْرًا" وَحَذَفَ وَاخْتَصَرَ.
ومن الحذف قولُه عَزَّ ذِكْرُهُ: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسَفَ فِي الأَرْضِ
وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) 21/ يوسف. وَتَقْدِيرُهُ:
وَلِنُعَلِّمَهُ، فَعَلْنَا ذَلِكَ. وكذلك قوله: (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ
مَارِدٍ) 7م الصافات. أَيْ: وَحِفْظًا، فَعَلْنَا ذَلِكَ. ومن الحذف قولُهم:
صَلَّيْتُ الظُّهْرَ، أَيْ: صَلَاة الظهر. وكذلك سائر الصلوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق