الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

بين المعجم التاريخيّ للغة العربية ومعاجم مكتب تنسيق التعريب:

 


إعداد: إسلمو ولد سيدي أحمد مُحمّاده.

في هذا الوقت الذي نحتفل فيه سنويا باليوم الدوليّ للغة العربية (18 ديسمبر/ كانون الأول)، فقد استبشرنا خيرًا بالخطوات المتقدمة التي قطعها مشروع المعجم التاريخي للغة العربية الذي تنهض بإنجازه المجامع اللغوية العلمية العربية.

 وذلك في مدة قصيرة جدا، بالمقارنة بالمدة التي يتطلبها عادة إنجاز معجم تاريخيّ (يُشار هنا-على سبيل المثال- إلى تجربة إنجاز معجم أكسفورد التاريخيّ، والمعجم التاريخيّ للغة الفرنسية).

كما أسعدنا- في الوقت نفسِه- ما أنجزه مكتب تنسيق التعريب (التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) في المجالات المعجمية والمصطلحية، حيثُ أصدر عشرات المعاجم الموحدة (على مستوى العالَم العربي) في مختلِف حقول المعرفة.

لا نريد في هذه العجالة، أن نخوض في التفاصيل الدقيقة الخاصة بالمعجم التاريخيّ  وخصائصه ووظائفه ومحتواه، إذْ يمكن الاطلاع عليها في المنشورات الكثيرة (الورقية والإلكترونية) الصادرة عن جهات الاختصاص. ومع ذلك، فإنّ المعاجم التاريخية تُعنَى، من بين أمور أخرى:

بتتبُّع تطور دلالات الألفاظ عبرَ الزمن (ما يحدث من تغيّر مَباني الألفاظ ومَعانيها، وطبيعة هذا التغيّر)، بالتعامل مع المستوى اللغويّ (الفصيح، المعرّب، الدخيل، إلخ)، بتعريف الكلمات المركبة والمنحوتة والتعابير الاصطلاحية، وبغير ذلك ممّا تقتضيه طبيعة هذا النوع من المعاجم.

من ذلك تحديد العصور (نبدأ مثَلًا-بخصوص المعجم التاريخي للغة العربية-بالعصر الجاهلي، ثم الإسلاميّ، ثم العباسيّ...إلى أن نصل  العصر الحديث)، واعتماد المصادر، واختيار طريقة ترتيب المادة، وتحديد الرموز والاختصارات، ووضع خُطة للتنفيذ (تتضمن العناصر البشرية، والتكاليف المالية، والآجال الزمنية).

وقد اتخذت المجامع اللغوية العلمية العربية، لله الحمد، معظم الإجراءات المشار إلى بعضها، وانطلقت في العمل. ولا أدل على ذلك من صدور بعض مجلدات المشروع، في وقت قياسيّ، وهو أمر يدعو إلى التفاؤل.

 لقد تأخرنا كثيرا في إنجاز مشروع المعجم التاريخي للغة العربية. ومع ذلك، فلا يخفى على أحد أهمية ما أُنجِز من معاجم (من نوع المعجم الكبير، و المعجم الوسيط، والمعجم العربي الأساسيّ، على سبيل المثال).

ينبغي لنا أن نستمر في العمل على الجبهتيْن (جبهة إعداد المعجم التاريخيّ، وجبهة إعداد المعاجم الأخرى)، آملين أن نصل بحول الله  إلى مرحلة يغطي فيها المعجم التاريخيّ للغة العربية جميع العصور (بما فيها العصر الحديث)، وهو أمر ما زال طبعًا بعيدَ المنال (نظرا إلى طبيعة إنجاز هذا النوع من الأعمال).

 لقد بدأت عربية حديثة تتكون في العالم العربيّ، مع مطلع عصر النهضة، في بداية القرن التاسع عشر، وما زالت تتجذر وتكتمل ملامحُها حتى الآن (ونحن في القرن الحادي والعشرين)، الأمر الذي يحتم علينا الاهتمام بالمعجم الحديث، إلى جانب المعجم التاريخيّ (علمًا أنّ الألفاظ الحديثة داخلة طبعًا في متن المعجم التاريخيّ، ولهذا نجد-مثلًا-معجم روبير التاريخيّ يتناول مفردات اللغة الفرنسية الحديثة)، فالمعجمان يكمل أحدهما الآخر، لكن طبيعة إنجاز المعجم التاريخيّ تحتاج نَفَسًا أطولَ.

 أشير في هذا المجال إلى أنني ألفتُ كتابًا (ما زال تحت الطبع)، بعنوان: "بيْن فقه اللغة وأدب الكاتب والمعجم الوسيط"، يتضمن مقتطفات من الألفاظ والعبارات الواردة في الكتابين (فقه اللغة للثعالبيّ، وأدب الكاتب لابن قتيبة) وما يناظرها في المعجم الوسيط (الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة)، وهي محاولة للجمع بين القديم والحديث من مفردات وعبارات لغتنا العربية الجميلة.

لا بد هنا من التذكير-عند إعداد المعجم، بصرف النظر عن نوعه وخصائصه ووظيفته ومحتواه - بأهمية التركيز على الربط بين اللغة والثقافة (للأمة/ لأيّ أمة)، للصلة الوثيقة بينهما.

ينبغي أيضًا، عدم إغفال أهمية المعالجة الحاسوبية لمادة المعجم (رِبحًا للجهد والوقت والمال)، إذْ لا بد من التعاون بين اللغويّ والمعجميّ والحاسوبيّ. وبذلك نخرج بعمل نرضى عنه وينال استحسان الآخَرين.

ولا يفوتني أن أذكِّر الإخوة القائمين على هذا العمل الكبير، بضرورة ضبط مادة المعجم بطريقة صحيحة (لغةً، ونحوًا، وصرفًا، وإملاءً، وأسلوبًا...). فالرغبة في إنجاز العمل بسرعة، لا تُسوِّغ/ تبرِّر التضحية بالجودة.

أقترح وضع خُطّة خاصة لمراجعة المجلدات التي أُنجِزت، والسير على نحو ذلك في المستقبل.

إنّ المتتبع لما يُنشَر باللغة العربية في الوقت الراهن (في المنصات والمواقع الإلكترونية ووسائل الاتصال الجماهيريّ بصفة خاصة)، يدرك أن انتشار الأخطاء- من كل نوع وصنف- أصبح يشكل ظاهرة خطيرة على اللغة (وهو أمر مؤسف).

في ضوء ما تقدم، وانسجامًا مع العنوان الذي اخترته لهذه الورقة، أقترح التفكير في وضع آلية تجعل الأعمال التراكمية المعجمية العربية (القديم منها والحديث) تنصهر في بوتقة واحدة قابلة للوصول إلى كل مستفيد. ومن حسن حظنا أنّ وسائل النشر الحديثة (الورقية والإلكترونية) معينة على تحقيق هذا الهدف.

أذكّر –بهذا الخصوص- بتوجُّه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (وجهازها المتخصص مكتب تنسيق التعريب بالرباط) نحو تأسيس "شبكة المصطلحات العربية-شمع"، وربط الشبكة بقاعدة بيانات متاحة للعلماء والمختصين  والباحثين في جميع المجالات العلمية، داخل الوطن العربي وخارجه، لتسهيل التواصل معهم عبر أدوات التواصُل التِّقانية (التكنولوجية) الحديثة. علمًا أنّ القضايا المصطلحية لا تخرج عن نطاق القضايا اللغوية والمعجمية، بصفة عامة.

ولا يخفى على أحد أنّ العربية ليست لغة العرب فحسب، بل لغة العالم، فهي سادس لغة رسمية في الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها، من بين أكثر من ستة آلاف لغة حيّة في العالم، وهي أيضا لغة المسلمين عبر العالم.

وفي تنمية اللغة العربية، والمحافظة على سلامة المتداوَل منها، ومدها بالوسائل والآليات اللازمة لذلك (من معاجمَ وغيرِها)، والتمكين لها،  ونشرها، فليتنافس المتنافسون.

(ألقيت الكلمة في ندوة "المعجم التاريخي للغة العربية: الخصائص والوظائف والمحتوى" التي عقدها مكتب تنسيق التعريب بالرباط، بتاريخ 23 ديسمر 2020م، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2415):

  25611- مُسْتَصْلَحٌ/ أَرْضٌ مُسْتَصْلَحَةٌ (تَمَّ إِحْيَاؤُهَا لِلزِّرَاعَةِ): terrain défriché . اسْتِصْلَاحُ الأَرَاضِي (إِحْيَاؤُهَا لِ...