الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

اللغة العربية والتِّقانة:

 


إعداد: إسلمو ولد سيدي أحمد محمّادَه.

ليست اللغة أصواتًا يُعبِّر بها كلُّ قوم عن أغراضهم فحسْب-كما عرّفها ابنُ جني وغيرُه من القدماء-وليست أيضًا أداةً للتواصل بين الجماعات والشعوب فحسْب، كما يَجيء في تعريفات أخرى. لكنها مع ما تقدم من تعريف، ترتبط ارتباطا وثيقا بالفكر والعقل والشعور وخلجات النفْس...، وهي بذلك هُوية الإنسان ووعاءُ فكرِه وتراثِه، وسِجِلُّ تاريخه...  غير أنّ اللغة تقوى بقوّة أهلها وتضعف بضعفهم، ثم إنها كائن حيّ تعتريه أحوال القوة والضعف والصحة والمرض والموت... وهي كذلك كالعضو الحيّ يقوى وينمو بالاستعمال ويضعف بل يموت إن هو ظل معطَّلًا عن العمل، وهنا تكمن ضرورة إحلال اللغة العربية محل اللغات الأجنبية التي زاحمتها في أوطانها إبّانَ الاحتلال الأجنبيّ الذي خرج بجيوشه العسكرية وترك لغته تهيمن على القطاعات الحيوية في معظم بلداننا العربية حتى يومنا هذا.

بخصوص ما يُثار من تشكيك حول مدى قدرة اللغة العربية على مواجهة تحديات الرقمنة، أو عدم صلاحيتها لأن تكون وسيلةً لتدريس مختلف العلوم والتقنيات، وأداة للتعامل في مختلِف المجالات (في الإدارة والاقتصاد والإعلام وسائر المرافق الحيوية)، نشير إلى أن علم اللغة الحديث يرى أن جميعَ اللغات قادرةٌ على مسايرة التقدم العلمي والحضاري، لا فرقَ جوهريًّا بين لغة وأخرى، وإنما الفرق في الوسائل المستخدمة لتحقيق ذلك.

 وعليه، فإن العيب ليس في اللغة، وإنما العيب في الناطقين باللغة عندما يعجِزون أو يتقاعسون عن تنميتها وتطويرها وتطويعها لخدمة أغراضهم. والعربية لها من الخصائص والمميزات ما يجعلها من أقدر اللغات على القيام بوظائف اللغة الحية، فهي لغة اشتقاقية بامتياز، تتفوق على العديد من اللغات في دقة المصطلحات وكَثرة المفردات والتعابير، بالإضافة إلى ما تمتلكه من وسائلَ أخرى لتوليد الألفاظ.

 بمعنى أنّ اللغة محايدة، فلا يجوز أن نصف لغة معينة بأنها لغة علمية (أو تِقنيّة/ أو تِقانيّة/ أو لغة رقمنة، إلخ)، ونصف لغة أخرى بأنها غير علمية ولا تصلح لشيء من ذلك.

 مع أنّ التفاضُلَ بين اللغات-في بعض الخصائص- يظل واردًا، ولعل العربية من أفضلها. ويُنْسَبُ إلى أحد مؤسسي علم اللغة الحديث، وهو إدوار سابير، أنه قال: " إن اللغاتِ الخمسَ التي كان لها دور رئيس في حمل الحضارة الإنسانية، هي: الصينية القديمة، والسنسكريتية، والعربية، واليونانية، واللاتينية".

ومن حسن حظنا أن لغتنا العربية لغة حيّة، تجمع بين الأصالة والمعاصَرة، فقد حمَلت مِشعَلَ الحضارة الإنسانية دون انقطاع، وهي اليوم إحدى اللغات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية.

ولعل من الإجراءات اللازمة للنهوض باللغة العربية وجعلها تواكب التوجه العالمي نحو الرقمنة:

تقريب التِّقانة (التكنولوجيا) الرقمية من المجتمع، في مختلِف المجالات (التعليمية، والتعلمية، والتربوية، والبحثية، والإدارية، والتواصُلية). والاهتمام بالبحث العلمي، بصفة عامّة، وفي مجال الرقمنة على الأخص. وتعزيز الترجمة، من اللغة العربية وإليها. وتشجيع الجامعات ومراكز البحث على القيام بدور فاعل في هذا الميدان.

 وبذلك نتمكن من الرفع من مستوى المحتوى العربي على الشابكة (الإنترنت)، ونستفيد من الخِدمات التي تتيحها التطبيقات ومنصات التواصُل الاجتماعيّ (بما في ذلك تقنية التواصل المرئي السمعي). مع التذكير بضرورة وضع حد لهيمنة اللغة الأجنبية على القطاعات الحيوية في بلداننا العربية.

نغتنم مناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية (18 ديسمبر)، لتوجيه نداء إلى أصحاب القرار في وطننا العربيّ-من المحيط إلى الخليج- وإلى المعنيين والمهتمين بلغتنا العربية الجميلة، وإلى جميع مُحبِّيها عَبْرَ العالم، نناشدهم فيه بالعمل-كل من موقعه- على الانتقال بها من مرحلة الاكتفاء بترسيمها إلى مرحلة التمكين لَهَا، ومن مرحلة التركيز على إقناع الناس بصلاحيتها لأنْ تكون لغةَ علمٍ، وتِقنيّة، وتِقانة، ورقمنة، وحضارة، وتقدُّم..، إلى مرحلة وضعها على المحك لتثبت جدارتها، ولن تخيّب أملنا بإذن الله. 

ولا يفوتني في الختام أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى القائمين على تنظيم هذه الندوة المباركة ، في موضوع "اللغة العربية وتحديات الرقمنة في زمن ما بعد كورونا)، ، بالتعاون بين مكتب تنسيق التعريب بالرباط، ومجلس مقاطعة آگدال- الرياض، راجيًا أن تتَكلَّلَ أعمالُ الندوة بالنجاح.

(ألقيت الكلمة في ندوة، بعنوان: "اللغة العربية وتحديات الرقمنة في زمن ما بعد كُورُونَا"، عُقِدت بالتعاون بين مكتب تنسيق التعريب بالرباط، ومجلس مقاطعة آگدال-الرياض، بتاريخ 30 ديسمبر 2020م، في إطار الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية).

مُلحَق:

ما دام النشر الإلكترونيّ يُمَكِّنُنا من الاطلاع بسهولة ويُسْرٍ على ما نُشِر في هذا العالم الافتراضيّ اللا محدود، فيسرني أن أقترح على الإخوة والأصدقاء والزملاء، المعنيين والمهتمين باللغة العربية، أن يَطَّلِعوا على بعض الأبحاث والدراسات التي نشرتُها إلكترونيًّا في مجالات ذاتِ صلة وثيقة بموضوع هذه الندوة.

 وذلك من خلال "الكلمات المفاتيح" الآتيَة:

1-في يوم اللغة العربية، ما الذي أعددناه للتمكين لها.

2-تعريب العلوم الطبية في الوطن العربيّ.

3-مستقبل التعريب في الوطن العربيّ، وجهود المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومكتب تنسيق التعريب في تحقيق التعريب الشامل.

4-مدونة "اللغة العربية أمّ اللغات".

5-إسلمو ولد سيدي أحمد (بكتابة الاسم على محرك بحث "google"، على سبيل المثال).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2415):

  25611- مُسْتَصْلَحٌ/ أَرْضٌ مُسْتَصْلَحَةٌ (تَمَّ إِحْيَاؤُهَا لِلزِّرَاعَةِ): terrain défriché . اسْتِصْلَاحُ الأَرَاضِي (إِحْيَاؤُهَا لِ...