في الثاني والعشرين من شهر يونيو لسنة 2019م،
يتوجه الموريتانيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس يتولى مقاليد الحكم لمدة خمس
سنوات قادمة.
أرجو أن أتمكن- في المستقبَل، بتفصيل أكثر-
من الحديث عن أهم القضايا والمشكلات ذات الطابع الاستعجالي التي ينتظر
الموريتانيون من الرئيس الذي سيقع عليه اختيارُهم، أن يعالجها بحكمة وتبصُّر.
أود
قبل ذلك- أن أسجل ملاحظات سريعة على سير الحملة الانتخابية الرئاسية في أسبوعها
الأول، وما تركته لديّ من انطباعات.
تتقاطع برامج المترشحين في بعض المجالات
وتختلف في مجالات أخرى، وهو أمر طبيعي. مع تفاوت كبير في الأساليب والعبارات التي
طبعت خطاباتهم أمام مناصريهم في بعض المِهرجانات واللقاءات. نجد أحدهم-مَثَلًا-
يركز على المستقبل، ويلح على أهمية المحافظة على المكتسبات والبناء عليها، وسد
الثغرات والاختلالات الموجودة، محتفظا بهدوئه وعفة لسانه واحترامه لمنافسيه. ويبدو
لي أن هذا الطرحَ مقبول. على أساس أن علينا ان نركز على المستقبل، مستفيدين من
تجارب الماضي ومعطيات الحاضر. وبذلك نتمكن من استشراف مستقبَل أفضل.
نجد مترشحًا آخَرَ يركز على الماضي (العشرية
الأخيرة بصفة خاصة)، ويصب جامَ غضبه على مَن تولى فيها المسؤولية، واصفًا الوضع
الراهن في البلد بالكارثي، مذكرا بما عانته الشرائح الاجتماعية في تلك الفترة من
تهميش وظلم وازدراء، على حد قوله. كما نجد مترشحًا آخَرَ يمسك العصا من الوسط،
محاولًا استمالة الناخب دون التركيز على الماضي أو توجيه انتقاد لاذع إلى ما تحقق
من قبلُ.
وعلى كل حال، فقد استطاع المترشحون ومناصرُوهم
أن يحافظوا -بصفة عامة/ حتى الآن-على مستوًى مقبولٍ من السلوك المتحضر في تعاملهم
مع ظروف الحملة ومقتضياتها. نرجو أن يستمر ذلك.
أتوقع أن الناخب الموريتاني أصبح على درجة من
الوعي تمكنه من اختيار المترشح الذي استطاع إقناعه ببرنامجه، بأسلوب محترم يليق
بمن سيتولى هذا المنصب السامي (منصب رئيس الجمهورية).
ولَمّا كانت هذه الاستحقاقات الانتخابية تجري
في ظروف مناسبة تطبعها روح ديموقراطية تكاد تكون غير مسبوقة في بلادنا، يتنافس
فيها ستة مترشحين من أجل الوصول إلى كرسيّ الرئاسة، فإنّ على المترشح لهذا
المنصب-من أجل استمالة الجماهير في منافسة شديدة بهذه الدرجة-أن يركّز على المحاور
التي تلامس احتياجات المواطن الحقيقية وتطلعاته المستقبلية المشروعة إلى تحسين
ظروفه المعيشية، من خلال مشروعاتٍ وبرامجَ تضمن إشراكه في خيرات بلده، حتى يتمكن
من العيش الكريم في وطنه. وكل ذلك في إطار المحافظة على ثوابت الأمة.
من هذه المحاور:
1-تعزيز الأمن والاستقرار، من أجل استغلال
خيرات البلد في جو ملائم لتنمية شاملة حتى ينعم المواطن بالعيش الكريم. يدخل في
هذا الإطار، وضع الخُطَط والبرامج واتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لظاهرة الغلوّ
والتطرّف وبث الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، مع ضمان حرية التعبير المنضبطة
التي لا تتجاوز الخطوط الحُمْر سواء أتعلق الأمر بالعقيدة أم بالوحدة الوطنية (على
سبيل المثال). كما يتطلب الحث على التمسك بالأخلاق الحسنة والقيم الإسلامية للشعب
الموريتاني بمختلِف ألوانه وأعراقه. وفي ذلك تعزيز لوحدتنا الوطنية التي يجب أن
نعَضَّ عليها بالنواجذ.
2-مكافحة أخطر ثالُوث يتهدَّد العديد من
الدول التي ما زالت في طريق النمو (الجهل والفقر والمرض)، ممّا يتطلب العناية
بالتعليم الذي هو أساس التنمية، تعليم يجمع بين القديم والحديث. يدخل في هذا
الإطار استعمال اللغة العربية بصفتها لغة رسمية موحَّدة/ وموحِّدة لكل شرائح الشعب
الموريتاني، مع تطوير اللغات الوطنية الأخرى، وتأمين الترجمة-عند الحاجة-بين اللغة
العربية وأخواتها السونكية والبولارية والولفية. واستعمال اللغة العربية في
الإدارة، ممّا يساعد على امتصاص البطالة.
(نلاحظ تهميش من لا يعرف الفرنسية من جميع شرائح المجتمع، وهو أمر مرفوض في
دولة ذات سيادة). وعلينا أن نتذكَّر-في
هذا المجال-أنّ الفرنسية لغة أجنبية على جميع الموريتانيين. بناء اقتصاد قوي بما
في ذلك ما أصبح يُعرَف باقتصاد المعرفة، العناية بالصناعة وترشيد استخراج الثروة
المعدنية، حُسْن استغلال الثروة السمكية والحيوانية، الاهتمام بقطاع الزراعة من
أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية-في مرحلة أولى-وُصُولًا إلى مرحلة
التصدير، تشجيع القطاع الخاص ليقوم بدوره المكمل للقطاع العام، والاهتمام
بالاستثمار الوطني والأجنبي وخلق المُناخ المناسب لتطويره بما في ذلك وضع قوانين
محفِّزة للمستثمر الوطني والأجنبي مع الاستثمار في العنصر البشري الذي هو أساس أي
تنمية، العناية بالبيئة بما في ذلك التشجير والمحافظة على النظافة ومكافحة الحشرات
الضارة، إلخ.
3-سد الثغرات التي ما زالت تطبع بعض الأساليب
المعتمدة في تدبير الشأن العام عن طريق حكامة رشيدة. من ذلك-على سبيل المثال لا
الحصْر- الفصل التام بين المؤسسات التنفيذية والقضائية والتشريعية، تعزيز دولة
القانون والمؤسسات بما يضمن العدالة بين جميع المواطنين، تحسين الخِدمات العامة
بما في ذلك التأمين الصحي ومراقبة الأدوية للتصدي لتزويرها أو استيراد أدوية فاسدة
أو منتهية الصلاحية، احترام المال العام، محاصرة الرشوة والغش والتزوير، تحقيق
تكافؤ الفرص، وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، اعتماد الحوار البناء في
معالجة الأمور بدل الاستبداد بالرأي، الاهتمام بالشباب والمرأة، وبالمتقاعدين
الذين أفنوا زهرة حياتهم في خدمة الوطن سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين، العناية
بفئات المجتمع الضعيفة دون السقوط في مستنقَع الشرائحية التي استفحلت مظاهرها في
السنوات الأخيرة ببلادنا.
وفي الختام، فإننا نلتمس من الأخوة
المتنافسين في هذه الاستحقاقات الانتخابية (ومن جميع مناصريهم) أن يحافظوا على هذا
الجو الطيب الذي طبع الحملة الانتخابية حتى الآن، وأن يكون ذلك دَيْدنهم في أثناء
سير عمليات الاقتراع، وأن يستعدوا نفسيا للاعتراف بالنتائج النهائية.
وبذلك نضع أقدامنا على عتبة مرحلة ديمقراطية
جديدة، تشرّف هذا الشعب الأبيّ الكريم الذي يستحق كل خير. والله ولي التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق