في: أسرار العربية.
فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى المَعْنَى فِي
تَذْكِيرِ المُؤَنَّثِ وَتَأْنِيثِ المُذَكَّرِ:
مِنْ سُنَنِ العَرَبِ، تَرْكُ حُكْمِ ظَاهِرِ
اللَّفْظِ، وَحَمْلُهُ عَلَى مَعْنَاهُ.
كَمَا يَقُولُونَ: ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ،
وَالنَّفْسُ مُؤَنَّثَةٌ، وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى مَعْنَى الإِنْسَانِ، أَوْ
مَعْنَى الشَّخْصِ.
قال الشاعر:
مَا عندنا إلّا ثلاثةُ أنْفُسٍ * مِثْلُ
النُّجُومِ تَلَأْلَأَتْ فِي الحِنْدِسِ.
(الحِندِس: الليل المظلم، والظُّلْمَة. ج.
حَنَادِسُ).
وقال عمر بن عبد الله بن أَبي رَبِيعة:
فكَان مِجَنِّي دُونَ ما كُنْتُ أَتَّقِي *
ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ.
(الكاعبان: فتاتان نَهَدَ ثدياهما، والمعصر:
الجارية أول ما أدركت).
فَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ.
وقال الأعشى:
يَقُومُ وَكَانُوا هُمُ المُنْفِدِينَ *
شَرَابَهُمُ قَبْلَ تنفادِها.
فأنَّث الشرابَ لمَّا كانَ الخمرُ في المعنى
وهي مُؤَنَّثَة.
كما ذَكَّرَ الكَفَّ، وهي مؤنَّثة، في قوله:
أَرَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَسِيفًا كَأَنَّما *
يَضُمُّ إِلَى كَشْحَيْهِ كَفًّا مُخَضَّبَا.
(المخضَّب: الملطَّخ بالحنَّاء أو الدم).
فَحَمَلَ الكلامَ على العُضْوِ وهو مذكَّرٌ.
وكما قال الآخَر:
يا أَيُّها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ
* سائِلْ بَنِي أَسَدٍ ما هذِهِ الصَّوِتُ.
أَيْ: مَا هذه الجَلَبَةُ؟
(المطيَّة: الظَّهْرُ. والمُزجِي:
السّائِقُ).
وقال الآخَرُ:
مِنَ النَّاسِ إِنْسَانَانِ دَيْنِي
عَلَيْهِمَا * مَلِيئَانِ لَوْ شَاءَا لَقَدْ قَضَيَانِي
خَلِيلَيَّ أَمَّا أُمُّ عَمْرٍو فَوَاحِدٌ *
وَأَمَّا عَنِ الأُخْرَى فَلَا تَسَلَانِي.
فَحَمَل المعنَى على الإنسان أو على الشَّخصِ.
وفي القرآن الكريم: (وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ
كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا) 11/ الفرقان. والسَّعِيرُ مُذَكَّرٌ. ثم قال:
(إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) 12/ الفرقان. فَحَمَلَهُ على
"النَّار"، فَأَنَّثَهُ.
وقال عَزَّ اسْمُهُ: (وَأَحْيَيْنَا بِهِ
بَلْدَةً مَيْتًا) 11/ ق. ولم يَقْلْ: مَيْتَةً، لأنّه حَمَلَ الكلامَ على
السَّقْفِ، وكُلُّ ما عَلاكَ وَأَظَلَّكَ فهو سَمَاءٌ، واللهُ أَعْلَمُ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق