السؤال:
كيف نفهم معنى قوله تعالى: (إِنَّ هَذَانِ
لَسَاحِرَانِ)؟
وهل يَصِحُّ هذا التركيبُ، نَحْوِيًّا؟
الجواب، والله أعلم:
أولًا-تفسير الآية الكريمة: (قَالُوا إِنَّ
هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا)
63/ طه.
أَيْ: لَمُزَاوِلَانِ لِلسِّحْرِ (يعنون:
موسى وهارون)، سَاحِرَانِ عَالِمَانِ خَبِيرَانِ بِصِنَاعَةِ السِّحْرِ،
يُرِيدَانِ فِي هَذَا اليَوْمِ أَنْ يَغْلِبَاكُمْ وَقَوْمَكُمْ وَيَسْتَوْلِيَا
عَلَى النَّاسِ، وَتَتْبَعَهُمَا العَامَّةُ، وَيُقَاتِلَا فِرْعَوْنَ
وَجُنُودَهُ، فَيَنْتَصِرَا عَلَيْهِ وَيُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمِ.
سَحَرَهُ يَسْحَرُهُ سَحْرًا/ وَسِحْرًا،
وَسَحَّرَهُ تَسْحِيرًا: فَعَلَ بِهِ السِّحْرَ.
السِّحْرُ: قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ
عَلَيْهِ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلعَادَةِ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى وَسَائِلِ الرُّقَى
وَالعَزَائِمِ وَمَا أَشْبَهَهَا.
ثانيًا-لِلنَّحْوِيِّينَ تَخْرِيجَاتٌ
وأَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ فِي "إِنَّ"، منها أنّ العربَ تقول:
"إِنَّ"، بمعنى: نَعَمْ، مستدلين بقول الشاعر ابن قيس الرقيات (من مجزوء
الكامل):
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا...كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهْ.
أي:
فقلتُ نَعَمْ. والهاء: هاء السكت (ويرى بعضهم أنّ الهاء في "إنه": ضمير
منصوب بها، والخبر محذوف، أي: إنه لكذلك).
واستدلوا أيضا على أنَّ "إِنَّ"
بمعنى: نَعَمْ، بقول ابن الزبير، لمن قال له: لَعَنَ اللهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي
إِلَيْكَ، فَقَالَ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا، أَيْ: نَعَمْ وَلَعَنَ رَاكِبَهَا.
وعلى هذا الأساس، تكون: "هَذَانِ"،
في الآية الكريمة: مبتدأ. واللام بعد المبتدأ زائدة. و "سَاحِرَانِ":
خبر المبتدأ.
ومن التخريجات المشار إليها، أَنَّ
"إِنَّ" مؤكدة ناصبة للاسم رافعة للخبر، واسمها ضمير شأن محذوف.
و
"هذان ساحران": مبتدأ وخبر، والجملة في محل رفع خبر "إِنَّ"،
والتقدير: إِنَّهُ (أَيْ: الحال والشأن): هَذَانِ لَسَاحِرَانِ.
وقرأ بعضهم: "إِنْ هَذَانِ
لَسَاحِرَانِ"، بتخفيف النون.
مع ملاحظة أنّ بعض القبائل العربية، تلتزم
الألف في التثنية في جميع الحالات (في حالة الرفع وحالتي النصب والخفض/الجر).
تقول، على سبيل المثال: جاء ساحران، رأيت ساحران، مررت بساحران.
ويقولون: ضربتُه: بين أُذْنَاه، مع أنّ
المعتمد المشهور المتواتر: ضربته بين اُذُنَيْهِ.
قِيل إنها لغة بني الحارث بن كعب. وقيل، لغة
بني كنانة. وقيل إنها لغة خثعم.
ومثال ذلك، قول شاعرهم:
إنّ أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا * قَدْ بَلَغَا
فِي المَجْدِ غَايَتَاهَا.
ولم يقل (في أباها الثالثة): وأبا أبِيها.. ولم يقل:
غَايَتَيْهَا.
مع أنّ المشهور في الأسماء الستة، إعرابها
بالحروف (والأمثلة على ذلك كثيرة في القرآن الكريم، وفي المراجع المتخصصة)، تقول:
جاء أبوك، رأيتُ أباك، مررتُ بأبيك، إلخ.
وفي
التثنية، تقول في حالة الرفع: جاء ساحران، وفي حالتي النصب والخفض/ الجر: رأيتُ
ساحريْن، ومررتُ بساحريْن، إلخ.
ملحوظة:
ما سُمِع عند بعض القبائل العربية، بخصوص التزام
الألف في التثنية في جميع الحالات: يُحفَظ ولا يقاس عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق