الوَاوُ:
الواو لمطلق الجمع دون أن تدل على الترتيب
وحسْب، فقد تدل على أن العامل قد وقع أثره على المعطوف والمعطوف عليه في آنٍ واحد
أو قد يختلفان في ذلك. فإذا قلت: جَاءَ خَالِد وَسَالِم، فقد يكونان قد أتيا مَعًا
أو جاء أحدهما قبل الآخَر، وتدل على عكس الترتيب كقوله تعالى إخبارًا عن منكري
البعث: "مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا"، وهي
هنا ليست للترتيب إذ إنهم لا يعترفون بالحياة بعد الموت.
الفَاءُ:
هي للعطف مع الترتيب دون مهلة ولا تراخٍ، وهو
المعبر عنه بالتعقيب، مثل: "ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ".
وقد تستعمل الفاء للترتيب مع التراخي (أي
التعقيب بمهلة)، فحينئذ تكون بمعنى ثم وهذا لا يعنينا من ناحية الإعراب.
ويراد بالترتيب بدون مهلة ولا تراخٍ في
الحكم، أن يكون المعطوف سببًا عن المعطوف عليه أو نتيجة أو شبه نتيجة عنه، كقول
الشاعر:
قضى بيننا مروانُ أمسِ قضيةً * فما زادنا
مروانُ إلّا تنائيا.
فإن جملة ما زادنا معطوفة على جملة قضى وهي
نتيجة عنها.
وللفاء معنى آخر وهو التسبب، وذلك غالب في
عطف الجمل، مثل قولك: سَهَا فَسَجَدَ، زَنَى فَرُجِمَ.
ثُمَّ:
هي للترتيب مع التراخي (أي بمهلة وتراخٍ)،
نحو: جَاءَ فَجَلَسَ ثُمَّ نَهَضَ، فالجلوس تم بلا مهلة بين المجيء وبينه، أمّا
النهوض فقد تم بعد مدة من الجلوس. وقد تكون ثم لمطلق الجمع كالواو، فلا تدل على
تعقيب وتراخٍ، مثل: بَلَغَنِي مَا صَنَعْتَ اليَوْمَ ثُمَّ مَا صَنَعْتَ أَمْسِ
أَعْجَبُ، فثم هنا بمعنى الواو.
حَتَّى:
قلما تستعمل للعطف، ويكون ما تدخل عليه جزءًا
أو شبهَ جزءٍ ممّا قبلها، أو أن يكون أشرف من المعطوف عليه أو أحسن منه، أو أن
يكون مفردًا، وعلامتها أن يصح وضع الواو موضعها فلا تختل الجملة، مثل: مَاتَ
النَّاسُ حَتَّى الأَنْبِيَاءُ. فأنت تستطيع أن تقول: مات الناسُ والأنبياءُ دون
أن يختل المعنى، فإذا صح أن تضع موضعها "إلى" كانت حرف جر، مثل:
قَرَأْتُ الكِتَابَ حَتَّى غِلَافِهِ، أي إلى غلافِه. وباختصار، إن أردت أن يكون
ما بعدها داخلًا في حكم ما قبلها فاعربها حرف عطف وإلّا فاعربها حرف جر.
أكلت السمكةَ حتى رأسها، فإن أردت أن تقول
إنك أكلت السمكة ورأسَها، نصبت رأسَ باعتبار أَنَّ "حتى" عاطفة، وإن كان
قصدك أنك لم تأكل الرأسَ جررت "رَأْسِ" باعتبار أنّ "حتى" حرف
جر.
وتكون حتى حرف ابتداء وما بعدها جملة
مستأنفة، كقول الشاعر:
فما زالت القتلى تَمُجُّ دماءها * بدِجلةَ
حتى ماءُ دِجلةَ أشكلُ.
وتدخل حتى على الفعل الماضي أو على المضارع،
أمّا الداخلة على الماضي فإن صح أن يوضع موضعها (إلى) فهي حرف جر، وتقدر بعدها أن
المصدرية، ويؤول الفعل بمصدر محله الجر بحتى ويعلقان بالفعل قبلها، كقول الشاعر:
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى * وزرتك حتى قيل
ليس له صبر.
وإن صح أن يوضع موضعها الواو، فهي حرف عطف
والجملة بعدها معطوفة على ما قبلها، كقول المتنبي:
حقرتَ الردينياتِ حتى طرحتها * وحتى كأنّ
السيفَ للرمح شاتم.
ويمكنك أن تتأكد من ذلك إذا قلت مَثَلًا:
حقرت الردينيات و(أخيرًا) طرحتها، أو: حقرت الردينيات و(وصل احتقارك إلى حَدٍّ أنك
طرحتها)، فإذا تم المعنى بمثل سابق فهي عاطفة.
أمّا حتى الداخلة على الفعل المضارع، فإن صح
أن يوضع موضعها (لكي) أو (إلّا أَنَّ) أو (قبل أن) بدون أدنى خلل في المعنى، فهي حرف
جر والمضارع بعدها منصوب بأن مضمرة، وإلّا فهي حرف عطف والمضارع بعدها مرفوع
وعلامة ذلك أن يكون المضارع بعدها للحال ومسبب عما قبله، وعلى ذلك قول حسان:
يُغْشَوْنُ حتى ما تَهِرُّ كِلابُهم * لا
يسألون عن السوادِ المقبلِ.
ومثل: مرض زيد حتى لا يرجونه.
أَوْ:
تكون أو على معانٍ عدة، منها:
1-التمييز والإباحة، إذا وقعت بعد الطلب،
مثل: جِئْنِي بِهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، كُلْ جُبْنًا أَوْ زَيْتُونًا.
2-إذا وقعت بعد الخبر، تكون للشك، مثل: جَاءَ
خَالِد أو سَلِيم.
3-التقسيم، مثل: الكَلِمَةُ اسْمٌ أَوْ
فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ.
4-الإضراب، مثل: عُمُرُ خَالِد عِشرُون عامًا
أَوْ أَكْثَرُ.
5-التسوية، مثل: ادْرُسْ أَوْ لَا تَدْرُسْ.
والفرق بين التمييز والإباحة، أنك في التمييز
لا تستطيع أن تجمع بين الشيئين، فأنت لا تستطيع مثلًا أن تأتي بالشخص المطلوب
حَيًّا وَمَيِّتًا مَعًا، ولكنك في الإباحة تستطيع أن تأكل جبنًا أو زيتونًا أو
تَأْكُلهما مَعًا.
أَمْ:
وهي قسمان: أم المتصلة وأم المنقطعة، أمّا
المتصلة فهي الواقعة بعد همزة الاستفهام كقول الشاعر:
وما أدري ولست إخال أدري * أقومٌ آلُ حصنٍ أم
نساءُ.
أو التي تقع بعد همزة التسوية، وهي الهمزة
الواقعة بعد سواء أو بعد الفعل (يُبَالِي) منفيا، مثل: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ
أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)، وقول علي رضي الله عنه: يَا بُنَيِّ إِنَّ أَبَاكَ لَا يُبَالِي أَوَقَعَ عَلَى المَوْتِ أَمْ وَقَعَ المَوْتُ
عَلَيْهِ. وقد سميت متصلة لأن ما بعدها وما قبلها لا يستغني أحدهما عن الآخَرِ.
وأمّا المنقطعة، فهي التي تفيد الإضراب وتقع
بعد (هَلْ)، مثل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي
الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ).
(أمْ) المتصلة، يعطف بها المفرد على المفرد
والجملة على الجملة، أمّا المنقطعة فلا يعطف بها إلّا جملة على جملة.
بَلْ:
معناها الإضراب، ولا يعطف بها إلّا إذا كان
معطوفها مفردًا، فإذا تلتها جملة كانت حرف ابتداء، مثل: (وَقَالُوا اتَّخَذَ
الرَّحْمنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ، بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)، أَيْ بل هم عباد،
ويعطف بها بعد الإيجاب أو النفي وبعد الأمر أو النهي، نحو: جاء خالد بل سالم، ما
جاء خالدٌ بل سالم، اشْكُرْ خالدًا بل سالمًا، لا تصاحِبْ خالدًا بل سالمًا.
وقد تزاد (لا) قبل (بل) بعد إثبات أو نفي،
كقول الشاعر:
وجهكِ البدرُ، لَا، بل الشمس لولا * يُقْضَ
للشمس كسْفَةٌ أو أفول.
لَا:
ويعطف بها بعد الإيجاب والأمر، فتفيد أن
الحكم الثابت لما قبلها منفي عمّا بعدها، نحو: نَجَحَ خَالِدٌ لَا سَالِمٌ. ويجب
أن يكون معطوفها مفردًا لا جملةً.
والكوفيون يعطفون بليس إِنْ أفادت معنى (لا)،
نحو: اسْتَعْمِلْ الحِكْمَةَ لَيْسَ الطَّيْشَ.
لَكِنْ:
يعطف بها بعد النفي والنهي وهي عكس (لا)،
تفيد نفي الحكم عمّا قبلها وإثباته لما بعدها، نحو: مَا جَاءَ خَالِدٌ لَكِنْ
سَالِمٌ، فإذا سبقتها الواو اعتبرت لكنْ مخففة للاستدراك لا عمل لها، وإذا وقعت
بعدها جملة ووقعت هي بعد الواو فهي حرف ابتداء، كقول الشاعر:
إنّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره * لكنْ وقائعه
في الحرب تُنْتَظَرُ.
وقوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ، وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتِمَ النَّبِيئِينَ)،
فرسولَ منصوب هنا لأنه خبر كان المحذوفة مع اسمها وليس معطوفًا على أَبَا. وكذلك
إذا وقعت بعد الإيجاب فهي حرف ابتداء، نحو: جاء خالد لكن وليد، لكن هنا حرف ابتداء
ووليد مبتدأ خبره محذوف تقديره: لكنْ وليد لم يَجِئْ.
بعض النحويين يسلك إِمَّا في حروف العطف
ويعتبرها كأو، وكلاهما موضوعان للترديد، تقول: الكلمة إِمَّا اسْم وإمّا فعْل
وإمّا حرْف.
ولِإِمّا معانٍ خمسة:
1-الشك، مثل: جاءني إِمَّا زيد وإِمَّا عمرو.
2-الإبهام، مثل: (وَآخَرُونُ مُرْجَوِنَ
لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ).
3-التخيير، مثل: (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ
وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا).
4-الإباحة، مثل: تَعَلَّمْ إِمَّا هَنْدَسَةً
وَإِمَّا طِبًّا.
5-التفصيل، مثل: (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا
كَفُورًا). شاكرًا، كفورًا: حَالَانِ.
فَوَائِدُ:
1-يشترط في كون (حتى) عاطفة، أن يكون المعطوف
مفردًا لا جملة. واختلف النحويون في ذلك، ففي بيت امرئ القيس:
سريتُ بهم حتى تَكلُّ مطيُّهم * وحتى الجيادُ
ما يُقَدْنَ بأرسان.
يعتبر أكثر النحويين أنّ (حتى) في الموضعيْن
ابتدائية.
2-متعاطفا الواو المفردان لا يختلفان في
السلب والإيجاب، ففي قوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ
رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ)، فالواو هنا حرف عطف و(لكن) للاستدراك فهي
حرف ابتداء و(رسولَ) خبر (كان) المقدرة مع اسمها، وجملة (كان) المقدرة مع اسمها
وخبرها معطوفة على جملة (ما كان محمد)، فإذا استبعد أحدٌ العطفَ هنا باعتبار (لكن)
حرف ابتداء، فالجملة بعدها استئنافية، والجواب أن المراد من كونها حرف ابتداء أنها
غير عاطفة للجملة فلا ينافي العطف بغيرها.
3-يجوز عطف الظاهر على المضمر عند الكوفيين
وبعض البصريين، كقول الشاعر:
فاليومَ قَرَّبْتَ تهجونا وتشْتِمنا * فاذهب
فما بك والأيامِ من عجب.
إذ عطف (الأيام) على الكاف التي هي ضمير في
محل جر بالباء.
مَسَائِلُ حَوْلَ العَطْفِ وَالمَفْعُولِ
مَعَهُ:
الأولى- ما يجب فيه العطف ولا يجوز النصب على
المفعول معه:
أ-ألّا يتقدم الواو إلّا مفردًا، مثل: كُلُّ
إِنْسَانٍ وَعَمَلُهُ.
ب-أن يتقدم الواو جملة غير متضمنة معنى فعل،
مثل: أَنْتَ أَعْلَمُ وَنَفْسُكَ، والمعنى، بنفسك وهو عطف على أنت.
الثانية- ما يجب فيه النصب على المفعول معه
ولا يجوز العطف، وذلك أن يتقدم الواو جملة اسمية أو فعلية متضمنة معنى الفعل وقبل
الواو ضمير متصل مجرور أو مرفوع لم يؤكد بمنفصل، مثل: مَالَكَ وَخَالِدًا، وَمَا
شَأْنُكَ وَسَالِمًا، مَا صَنَعْتُ وَإِيَّاكَ، فيتعيَّن النصب هنا على المفعول
معه ولا يجوز العطف لامتناعه إلّا في الضرورة، والنصب في الاسمية بكان مضمرة قبل
الجار وهو اللام وشأن، نحو: مَا كَانَ لَكَ وَخَالِدًا، مَا كَانَ شَأْنُكَ
وَسَالِمًا، أو بمصدر (لَابَسَ) منونا بعد الواو أي ما شأنك وملابسةَ سالم (هكذا
قال سيبويه).
الثالثة-ما يختار فيه العطف مع جواز النصب
على المفعول معه، وذلك بأن يكون المجرور في الصورة السابقة ظاهرًا أو ضميرها
المرفوع منفصلًا، نحو: ما شأن عبد الله وخالدٍ، وما أنت وسليمٌ، فالأحسن جر (خالد)
ورفع (سليم) على العطف، ويجوز فيه النصب على المفعول معه، نحو: ما أنت وخالدًا،
وكيف أنت وقصْعةً من ثَرِيدٍ.
الرابعة-ما يختار فيه النصب على المفعول معه
مع جواز العطف، وذلك أن تجتمع شروط العطف لكن يخاف منه فوات المعية المقصودة، نحو:
لَا تَغْتَذِ بِالسَّمَكِ وَاللَّبَنَ، أي معَ اللبَنِ.
الخامسة- ما يجوز فيه العطف والمفعول معه على
السواء، وذلك إذا أكد ضمير الرفع المتصل، نحو: رَأْسَهُ وَالحَائِطَ، أي خَلِّ
أَوْ دَعْ، نَجَحْتَ أَنْتَ وخالدًا أو وخالدٌ.
فائدة:
أجمَعوا على جواز العطف على معمولٍ واحد،
نحو: إنّ خالدًا جَالِسٌ، وسالمًا ذَاهِبٌ، فسالمًا معطوف على (خالدًا) وذاهبٌ
معطوف على (جَالِسٌ)، والعامل في الكل إِنَّ، والعطف هذا من باب عطف المفردات.
(المرجع، بتصرّف: المرجع في اللغة العربية/
لعلي رضا. دار الفكر).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق