السبت، 1 أغسطس 2020

مقصورة ابن دريد:



تشتمل المقصورة على ثروة لغوية هائلة (ويُقال إنها تضمنت ثُلُثَ الأسماء العربية المقصورة، أو أكثر)، وعلى طائفة مهمة من الأمثال السائرة والأخبار النادرة، والحِكَم البالغة المستخلصة من تجارب الحياة، متضمنة الحث على التحلي بالصبر والشجاعة وقوة العزيمة. كما تناولت المقصورة مجموعة من الموضوعات (كالفخر، والمدح، والوعظ،  والغزل العفيف). وقد كان ابنُ دريد يُوصَف، بأنه "أشعَرُ العلماء وَأعلمُ الشعراء".

يَا ظَبْيَةً أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالمَهَا * تَرْعَى الخُزَامَى بَيْنَ أَشْجَارِ النَّقَا

إِمَّا تَرَيْ رَأْسِيَ حَاكَى لَوْنُهُ * طُرَّةَ صُبْحٍ تَحْتَ أَذْيَالِ الدُّجَى

وَاشْتَعَلَ المُبْيَضُّ فِي مُسْوَدَّةٍ * مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي جَزْلِ الغَضَى

فَكَانَ كَاللَّيْلِ البَهِيمِ حَلَّ فِي * أَرْجَائِهِ ضَوْءُ صَبَاحٍ فَانْجَلَى

وَغَاضَ مَاءَ شِرَّتِي دَهْرٌ رَمَى * خَوَاطِرَ القَلْبِ بِتَبْرِيحِ الجَوَى

وَآضَ رَوْضُ اللهْوِ يَبْسًا ذَاوِيًا * مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ كَانَ مَجَّجَ الثَّرَى

وَضَـرَّمَ النَـأْيُ المُشِـتُّ جَـذوَةً * مَا تَأتَلِـي تَسْفَـعُ أَثنـاءَ الحَشَـا

وَاتَّخَـذَ التَّسْهِيـدُ عَينـِي مَأْلَـفـًا * لَمَّا جَفَا أَجْفَانَهَا طَيْفُ الكَرَى

فَكُلُّ مَا لَاقِيتُهُ مُغْتَفَرٌ * فِي جَنْبِ مَا أَسْأَرَهُ شَحْطُ النَّوَى

لَوْ لَابَسَ الصَّخْرَ الأَصَمَّ بَعْضُ مَا * يَلْقَاهُ قَلْبِي فَضَّ أَصْلَادَ الصَّفَا

إِذَا ذَوَى الغُصْنُ الرَّطِيبُ فَاعْلَمَنْ * أَنَّ قُصَارَاهُ نَفَاذٌ وَنَوى

شَجِيتُ لَا بَلْ أَجْرَضَتْنِي غُصَّةٌ * عَنُودُهَا أَقْتَلُ لِي مِـنَ الشَجـَى

إِنْ يَحْمِ عَنْ عَيْنِي البُكَا تَجَلُّدِي * فَالقَلْبُ مَوْقُوفٌ عَلَى سُبلِ البُكَا

لَوْ كَانَتِ الأَحْلَامُ نَاجَتْنِي بِمَا * أَلْقَاهُ يَقْظَانَ لَأَصْمَانِ الرَّدَى

مَنْزِلَةٌ مَا خِلْتُهَا يَرْضَى بِهَا * لِنَفْسِهِ ذُو أَرَبٍ وَلَا حِجَى

شَيْمُ سَحَابٍ خُلَّبٍ بَارِقُهُ * وَمَوْقِـفٌ بَيْـنَ اِرْتِجَـاءٍ وَمُـنـى

فـِي كُـلِّ يَـوْمٍ مَنْـزِلٌ مُسْتَوبـلٌ * يَشْتَفُّ مَاءَ مُهْجَتِي أَوْمُجْتَوى

مَا خِلْتُ أَنَّ الدَّهْرَ يُثْنِينِي عَلَى * ضَرَّاءَ لَا يَرْضَى بِهَا ضَبُّ الكُدَى

أُرَمِّقُ العَيْشَ عَلَى بَرْضٍ فَإِنْ * رُمْتُ ارْتِشَافًا رُمْتُ صَعْبَ المُنْتَهَى

أَرَاجِعٌ لِي الدَّهْرُ حَوْلًا كَامِلًا * إِلَى الَّذِي عَوَّدَ أَمْ لَا يُرْتَجَى

يَا دَهْرُ إِنْ لَمْ تَكُ عُتْبَى فَاتَّئِدْ * فَإِنَّ إِرْوَادَكَ وَالعُتْبَى سَوَا

رَفِّهْ عَلَيَّ طَالَمَا أَنْصَبْتَنِي * وَاسْتَبْقِ بَعْضَ مَاءِ غُصْنٍ مُلْتَحَى

لَا تَحْسَبَنْ يَا دَهْرُ أَنِّي جَازِعٌ * لِنَكْبَةٍ تُعْرِقُنِي عَرْقَ المُدَى

مَارَسْتُ مَنْ لَوْ هَوَتِ الأَفْلَاكُ مِنْ * جَوَانِبِ الجَوِّ عَلَيْهِ مَا شَكَا

وَعَدَّ لَوْ كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِمَا * فِيهَا فَزَالَتْ عَنْهُ دُنْيَاهُ سَوَا  

لَكِنَّهَا نَفْثَةُ مَصْدُورٍ إِذَا *  جَاشَ لُغَامٌ مِنْ نَوَاحِيهَا عَمَى

رَضِيتُ قَسْرًا وَعَلَى القَسْرِ رِضَى * مَنْ كَانَ ذَاسُخْطٍ عَلَى صَرْفِ القَضَا

إِنَّ الجَدِيدَيْنِ إِذَا مَا اسْتَوْلَيَا * عَلَى جَدِيدٍ أَدْنَيَاهُ لِلبِلَى

مَا كُنْتُ أَدْرِي وَالزَّمَانُ مُولَعٌ * بِشَتِّ مَلْمُومٍ وَتَنْكِيثِ فٌوَى

أَنَّ القَضَاءَ قَاذِفِي فِي هُوَّةٍ * لَا تَسْتَبِلُّ نَفْسَ مَنْ فِيهَا هَوَى  
       
فَإِنْ عَثَرْتُ بَعْدَهَا إِنْ وَأَلَتْ * نَفْسِيَ مِنْ هَاتَا فَقُولَا لا لَعَا 

وَإِنْ تَكُنْ مُدَّتُهَا مَوْصُولَةً * بِالحَتْفِ سَلَّطْتُ الأَسَا عَلَى الأَسَا 
     
إِنَّ امْرَأَ القَيْسِ جَرَى إِلَى مَدَى * فَاعْتَاقَهُ حِمَامُهُ دُونَ المَدَى

وَخَامَرَتْ نَفْسُ أَبِي الجَبْرِ الجَوَى * حَتَّى حَوَاهُ الحَتْفُ فِيمَنْ قَدْ حَوَى

وَابْنُ الأَشَجِّ القَيْلُ سَاقَ نَفْسَهُ * إِلَى الرَّدَى حِذَارَ إِشْمَاتِ العِدَى 

وَاخْتَرَمَ الوَضَّاحَ مِنْ دُونِ الَّتِي * أَمَّلَهَا سَيْفُ الحِمَامِ المُنْتَضَى

 وَقَدْ سَمَا قَبْلِي يَزِيدٌ طَالِبًا * شَأْوَ العُلَى فَمَا وَهَى وَلَا وَنَى

فَاعْتَرَضَتْ دُونَ الَّذِي رَامَ وَقَدْ * جَدَّ بِهِ الجِدُّ اللُّهَيْمُ الأَرَبَى

 هَلْ أَنَا بِدْعٌ مِنْ عَرَانِينَ عُلًى * جَارَ عَلَيْهِمْ صَرْفُ دَهْرٍ وَاعْتَدَى 

فَإِنْ أَنَالَتْنِي المَقَادِيرُ الَّذِي * أَكِيدُهُ لَمْ آلُ فِي رَأْبِ الثَّأَى

 وَقَدْ سَمَا عَمْرٌو إِلَى أَوْتَارِهِ * احْتَطّ مِنْهَا كُلَّ عَالِي المُسْتَمَى

فَاسْتَنْزَلَ الزَّبَّاءَ قَسْرًا وَهْيَ مِنْ * عُقَابِ لَوْحِ الجَوِّ أَعْلَى مُنْتَمَى

وَسَيْفٌ اسْتَعْلَتْ بِهِ هِمَّتُهُ * حَتَّى رَمَى أَبْعَدَ شَأْوِ المُرْتَمَى

فَجَرَّعَ الأحبوشَ سُمًّا نَاقِعًا * وَاحْتَلَّ مِنْ غمْدَانَ مِحْرَابَ الدُّمَى

ثُمَّ ابْنُ هِنْدٍ بَاشَرَتْ نِيرَانُهُ * يَوْمَ أَوَارَاتٍ تَمِيمًا بِالصَّلَى  

مَا اعْتَنَّ لِي يَأْسٌ يُنَاجِي هِمَّتِي * إِلَّا تَحَدَّاهُ رَجَاءٌ فَاكْتَمَى

أَلِيَّةٌ بِاليَعْمُلَاتِ يَرْتَمِي * بِهَا النّجَاءُ  بَيْنَ أَجْوَازِ الفَلَا

خوصٌ كَأَشْبَاحِ الحَنَايَا ضُمَّرٌ * يَرْعَفْنَ بِالأَمْشَاجِ مِنْ جَذْبِ البُرَى

يَرْسُبْنَ فِي بَحْرِ الدُّجَى وَبِالضُّحَى * يَطْفُونَ فِي الآلِ إِذَا الآلُ طَفَا

أَخْفَافُهُنَّ مِنْ حَفًا وَمِنْ وَجًى * مَرْثُومَةٌ تَخْضِبُ مُبْيَضَّ الحَصَى

يَحْمِلْنَ كُلَّ شَاحِبٍ مُحْقَوْقِفٍ * مِنْ طُولِ تَدْآبِ الغُدُوِّ وَالسُّرَى

بَرٍّ بَرَى طُولُ الطَّوَى جُثْمَانَهُ * فَهْوَ كَقَدْحِ النَّبْعِ مَحْنِيُّ القَرَا

يَنْوِي الَّتِي فَضَّلَهَا رَبُّ العُلَا * لَمَّا دَحَا تُرْبَتَهَا عَلَى البُنَى

حَتَّى إِذَا قَابَلَهَا اسْتَعْبَرَ لَا * يَملِكُ دَمْعَ العَيْنِ مِنْ حَيْثُ جَرَى

فَأَوْجَبَ الحَجَّ وَثَنَّى عُمْرَةً * مِنْ بَعْدِ مَا عَجَّ وَلَبَّى وَدَعَا

ثُمَّتَ طَافَ وَانْثَنَى مُسْتَلِمًا * ثُمَّتَ جَاءَ المَرْوَتَيْنِ فَسَعَى

ثُمَّتَ رَاحَ فِي المُلَبِّينَ إِلَى * حَيْثُ تَحَجَّى المَأْزَمَانِ وَمِنى

ثُمَّ أَتَى التَّعْرِيفَ يَقْرُو مُخْبِتًا * مَوَاقِفًا بَيْنَ أَلَالٍ فَالنَّقَا

ثُمَّ أَتَى المَشْعَرَ يَدْعُو رَبَّهُ * تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً حَتَّى هَمَى

وَاسْتَأْنَفَ السَّبْعَ وَسَبْعًا بَعْدَهَا * وَالسَّبْعَ مَا بَيْنَ العِقَابِ وَالصُّوَى

وَرَاحَ لِلتَّوْدِيعِ فِيمَنْ رَاحَ قَدْ * أَحْرَزَ أَجْرًا وَقَلَى هُجْرَ اللَّغَا  
      
بِذَاكَ أَمْ بِالخَيْلِ تَعْدُو المَرْطَى  * نَاشِزَةً أَكْتَادُهَا قُبَّ الكُلَى

شُعْثًا تَعَادَى كَسَرَاحِينِ الغَضَا * مَيْلَ الحَمَالِيقِ يُبَارِينَ الشَّبَا  
    
يَحْمِلْنَ كُلَّ شَمَّرِيٍّ بَاسِلٍ * شَهْمِ الجَنَانِ خَائِضٍ غَمْرَ الوَغَى

يَغْشَى صَلَى المَوْتِ بِحَدَّيْهِ إِذَا * كَانَ لَظَى المَوْتِ كَرِيهَ المُصْطَلَى

لَوْ مُثِّلَ الحَتْفُ لَهُ قِرْنًا لَمَا * صَدَّتْهُ عَنْهُ هَيْبَةٌ وَلَا انْثَنَى

وَلَوْ حَمَى المِقْدَارُ عَنْهُ مُهْجَةً * لَرَامَهَا أَوْ يَسْتَبِيحَ مَا حَمَى

تَغْدُو المَنَايَا طَائِعَاتٍ أَمْرَهُ * تَرْضَى الَّذِي يَرْضَى وَتَأْبَى مَا أَبَى

بَلْ قَسَمًا بِالشُّمِّ مِنْ يَعْرُبَ هَلْ * لِمُقْسِمٍ مِنْ بَعْدِ هَذَا مُنْتَهَى

هُمُ الأُلَى إِنْ فَاخَرُوا قَالَ العُلَى * بِفِي امْرِئٍ فَاخَرَكُمْ عَفْرُ البَرَى

هُمُ الأُلَى أَجْرَوْا يَنَابِيعَ النَّدَى * هَامِيَةً لِمَنْ عَرَى أَوِ اعْتَفَى

هُمُ الَّذِينَ دَوَّخُوا مَنِ انْتَخَى * وَقَوَّمُوا مَنْ صَعَر وَمَنْ صَغَا

هُمُ الَّذِينَ جَرَّعُوا مَنْ مَاحَلُوا * أَفَاوِقَ الضَّيْمِ مُمِرَّاتِ الحُسَا

أَزَالُ حَشْوَ نَثْرَةٍ مَوْضُونَةٍ * حَتَّى أُوَارَى بَيْنَ أَثْنَاءِ الجُثَى

وَصَاحِبَايَ صَرِمٌ فِي مَتْنِهِ * مِثْل مَدَبِّ النَّمْلِ يَعْلُو فِي الرُّبَى

أَبْيَضُ كَالمِلْحِ إِذَا انْتَضَيْتَهُ * لَمْ يَلْقَ شَيْئًا حَدُّهُ إِلَّا فَرَى

كَأَنَّ بَيْنَ عَيْرِهِ وَغَرْبِهِ * مُفْتَأَدًا تَأَكَّلَتْ فِيهِ الجُذَى

يُرِي المَنُونَ حِينَ تَقْفُو إِثْرَهُ * فِي ظُلَمِ الأَكْبَادِ سُبلًا لَا تُرَى

إِذَا هَوَى فِي جُثَّةٍ غَادَرَهَا * مِنْ بَعْدِ مَا كَانَتْ خَسًا وَهْيَ زَكَا

وَمُشْرِفُ الأَقْطَارِ خَاظٍ نَحْضُهُ *  حَابِي القُصَيْرِ جرْشَعٌ عَرْدُ النَّسَا

قَرِيبُ مَا بَيْنَ القَطَاةِ وَالمَطَا *  بَعِيدُ مَا بَيْنَ القَذَالِ وَالصَّلَا

سَامِي التَّلِيلِ فِي دَسِيعٍ مُفْعَمٍ * رَحْبُ الذِّرَاعِ فِي أَمِينَاتِ العُجَى

رُكِّبْنَ فِي حَوَاشِب مُكْتَنَّةٍ * إِلَى نُسُورٍ مِثْلَ مَلْفُوظِ النَّوَى

يَرْضَخُ بِالبِيدِ الحَصَى فَإِنْ رَقَى * إِلَى الرُّبَى أَوْرَى بِهَا نَارَ الحبَى

يُدِيرُ إِعْلِيطَيْنِ فِي مَلْمُومَةٍ * إِلَى لَمُوحَيْنِ بِأَلْحَاظِ اللأَى

مُدَاخِلُ الخَلْقِ رَحِيبٌ شَجرُهُ * مُخْلَوْلِقُ الصَّهْوَةِ مَمْسُودٌ وَأَى

 لَا صَكَكٌ يَشِينُهُ وَلَا فَجًا * وَلَا دَخِيسٌ وَاهِنٌ وَلَا شَظى

يَجْرِي فَتَكْبُو الرِّيحُ فِي غَايَاتِهِ * حَسْرَى تَلُوذُ بِجَرَاثِيمِ السَّحَا

لَوِ اعْتَسَفْتَ الأَرْضَ فَوْقَ مَتْنِهِ * يَجُوبُهَا مَا خِفْتَ أَنْ يَشْكُو الوَجَى

تَظُنُّهُ وَهْوَ يُرَى مُحْتَجِبًا * عَنِ العُيُونِ إِنْ ذَأَى وَإِنْ رَدَى

إِذَا اجْتَهَدْتَ نَظَرًا فِي إِثْرِهِ * قُلْتَ سَنًا أَوْمَضَ أَوْ بَرْقُ خَفَا

كَأَنَّمَا الجَوْزَاءُ فِي أَرْسَاغِهِ * وَالنَّجْمُ فِي جَبْهَتِهِ إِذَا بَدَا

هُمَا عَتَادِي الكَافِيَانِ فَقْدَ مَنْ * أَعْدَدْتُهُ فَلْيَنْأَ عَنِّي مَنْ نَأَى

فَإِنْ سَمِعْتَ بِرَحًى مَنْصُوبَةٍ * لِلحَرْبِ فَاعْلَمْ أَنَّنِي قُطْبُ الرَّحَى

وَإِنْ رَأَيتَ نَارَ حَرْبٍ تَلتَظِي * فَاِعْلَمْ بِأَنِّي مُسْعِرٌ ذَاكَ اللَظَى

خَيْرُ النُّفُوسِ السَّائِلَاتُ جَهْرَةً * عَلَى ظُبَاتِ المُرْهَفَاتِ وَالقَنَا

إِنَّ العِرَاقَ لَمْ أُفَارِقْ أَهْلَهُ * عَنْ شَنَآنٍ صَدَّنِي وَلَا قِلَى

وَلَا اطَّبَى عَيْنَيَّ مُذْ فَارَقْتُهُمْ * شَيْءٌ يَرُوقُ الطَّرْفَ مِنْ هَذَا الوَرَى

هُمُ الشَّنَاخِيبُ المُنِيفَاتُ الذُّرَى * وَالنَّاسُ أَدْحَالٌ سِوَاهُمْ وَهَوى

هُمُ البُحُورُ زَاخِرٌ آذِيُّهَا * وَالنَّاسُ ضَحْضَاحٌ ثِغَابٌ وَأَضى

إِنْ كُنْتُ أَبْصَرْتُ لَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ * مِثْلًا فَأَغْضَيْتُ عَلَى وَخْزِ السَّفَا

حَاشَا الأَمِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْفَدَا * عَلَيَّ ظِلًّا مِنْ نَعِيمٍ قَدْ ضَفَا

هُمَا اللَّذَانِ أَثْبَتَا لِي أَمَلًا * قَدْ وَقَفَ اليَأْسُ بِهِ عَلَى شَفا

تَلَافَيَا العَيْشَ الَّذِي رَنَّقَهُ * صَرْفُ الزَّمَانِ فَاسْتَسَاغَ وَصَفَا

وَأَجْرَيَا مَاءَ الحَيَا لِي رَغَدًا * فَاهْتَزَّ غُصْنِي بَعْدَ مَا كَانَ ذَوَى 

هُمَا اللَّذَانِ سَمَوَا بِنَاظِرِي * مِنْ بَعْدِ إِغْضَائِي عَلَى لَذْعِ القَذَى

هُمَا اللَّذَانِ عَمَّرَا لِي جَانِبًا * مِنَ الرَّجَاءِ كَانَ قِدْمًا قَدْ عَفَا

وَقَلَّدَانِ مِنَّةً لَوْ قُرِنَتْ * بِشُكْرِ أَهْلِ الأَرْضِ عَنِّي مَا وَفَى

بِالعُشْرِ مِنْ مِعْشَارِهَا وَكَانَ كَالْ * حَسْوَةِ فِي آذِيِّ بَحْرٍ قَدْ طَمَا

إِنَّ ابْنَ مِيكَالَ الأَمِير انْتَاشَنِي * مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ كُنْتُ كَالشَّيْءِ اللَّقَى

وَمَدَّ ضَبْعِيَ أَبُو العَبَّاسِ مِنْ * بَعْدِ انْقِبَاضِ الذَّرْعِ وَالبَاعِ الوَزَى

ذَاكَ الَّذِي مَا زَالَ يَسْمُو لِلعُلَى * بِفِعْلِهِ حَتَّى عَلَا فَوْقَ العُلَى

لَوْ كَانَ يَرْقَى أَحَدٌ بِجُودِهِ * وَمَجْدِهِ إِلَى السَّمَاءِ لَارْتَقَى 

مَا إِنْ أَتَى بَحْرَ نَدَاهُ مُعْتَفٍ * عَلَى أُوَارى عَلَمٍ إِلَّا ارْتَوَى

نَفْسِي الفِدَاءُ لِأَمِيرَيَّ وَمَنْ * تَحْتَ السَّمَاءِ لِأَمِيرَيَّ الفِدَى

لَا زَالَ شُكْرِي لَهُمَا مُوَاصِلًا * لَفْظِيَ أَوْ يَعْتَاقُنِي صَرْفُ المَنَى

إِنَّ الأُلَى فَارَقْتُ مِنْ غَيْرِ قِلًى * مَا زَاغَ قَلْبِي عَنْهُمَا وَمَا هَفَا 

لَكِنَّ لِي عَزْمًا إِذَا امْتَطَيْتُهُ * لِمُبْهَمِ الخَطْبِ فَآهُ فَانْفَأَى

 وَلَوْ أَشَاءُ ضَمَّ قُطْرَيْهِ الصِّبَا * عَلَيَّ فِي ظِلَّيْ نَعِيمٍ وَغِنى

وَلَاعَبَتْنِي غَادَةٌ وَهْنَانَةٌ * تُضْنِي وَفِي تَرْشَافِهَا بُرْءُ الضَّنَى 
 
تَفْرِي بِسَيْفِ لَحْظِهَا إِنْ نَظَرَتْ * نَظْرَةَ غَضْبَى مِنْكَ أَثْنَاءَ الحَشَا 

فِي خَدِّهَا رَوْضٌ مِنَ الوَرْدِ عَلَى ال * نِّسْرِينِ بِالأَلْحَاظِ مِنْهَا يُجْتَبَى

لَوْ نَاجَتِ الأَعْصَمَ لَانْحَطَّ لَهَا * طَوْعَ القِيَادِ مِنْ شَمَارِيخِ الذُّرَى

أَوْ صَابَتِ القَانِتَ فِي مُخْلَوْلِقٍ * مُسْتَصْعَبِ المَسْلَكِ وَعْرِ المُرْتَقَى 

أَلْهَاهُ عَنْ تَسْبِيحِهِ وَدِينِهِ *  تَأْنِيسُهَا حَتَّى تَرَاهُ قَدْ صَبَا.

كَأَنَّمَا الصَّهْبَاءُ مَقْطُوبٌ بِهَا * مَاءُ جَنَى وَرْدٍ إِذَا اللَّيْلُ عَسَا

يَمْتَاحُهُ رَاشِفُ بَرْدِ رِيقِهَا * بَيْنَ بَيَاضِ الظَّلْمِ مِنْهَا وَاللَّمَى 
 
سَقَى العَقِيقَ فَالحَزِيزَ فَالمَلَا * إِلَى النُّحَيْتِ فَالقُرَيَّاتِ الدُّنَى 

فَالمرْبَدَ الأَعْلَى الَّذِي تَلْقَى بِهِ * مَصَارِعَ الأُسْدِ بِأَلْحَاظِ المَهَا  
  
مَحَلَّ كُلِّ مُقْرِمٍ سَمَتْ بِهِ * مَآثِرُ الآباءِ فِي فَرْعِ العُلَى

مِنَ الأُلَى جَوْهَرُهُمْ إِذَا اعْتَزَوْا * مِنْ جَوْهَرٍ مِنْهُ النَّبِيُّ المُصْطَفَى 
 
صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا جَنَّ الدُّجَى * وَمَا جَرَتْ فِي فَلَكٍ شَمْسُ الضُّحَى 

جَوْنٌ أَعَارَتْهُ الجَنُوبُ جَانِبًا * مِنْهَا وَوَاصَتْ صَوْبَهُ يَدُ الصَّبَا 
    
نَأَى يَمَانِيًّا فَلَمَّا انْتَشَرَتْ * أَحْضَانُهُ وَامْتَدَّ كِسْرَاهُ غَطَا

فَجَلَّلَ الأُفْقَ فَكُلُّ جَانِبٍ * مِنْهَا كَأَن مِنْ قطْرِهِ المُزْنُ حَيَا 

إِذَا خَبَتْ بُرُوقُهُ عَنَّتْ لَهَا * رِيحُ الصَّبَا تَشِبُّ مِنْهَا مَا خَبَا 

وَإِنْ وَنَتْ رُعُودُهُ حَدَا بِهَا * حَادِي الجَنُوبِ فَحَدَتْ كَمَا حَدَا 

كَأَنَّ فِي أَحْضَانِهِ وَبَرْكِهِ * بَرْكًا تَدَاعَى بَيْنَ سَجْرٍ وَوَحى 

لَمْ تَرَ كَالمُزْنِ سَوَامًا بُهَّلًا * تَحْسَبُهَا مَرْعِيَّةً وَهْيَ سُدى  

فَطَبَّقَ الأَرْضَ فَكُلُّ بُقْعَةٍ * مِنْهَا تَقُولُ الغَيْثُ فِي هَاتَا ثَوَى
 
يَقُولُ لِلأَجْرَازِ لَمَّا اسْتَوْسَقَتْ * بِسَوْقِهِ ثِقِي بِرِيٍّ وَحَيَا

فَأَوْسَعَ الأَحْدَابَ سَيْبًا مُحْسِبًا * وَطَبَّقَ البُطْنَانَ بِالمَاءِ الرِّوَى

كَأَنَّمَا البَيْدَاءُ غِبَّ صَوْبِهِ * بَحْرٌ طَمَى تَيَّارُهُ ثُمَّ سَجَا

ذَاكَ الجَدَا لَا زَالَ مَخْصُوصًا بِهِ * قَوْمٌ هُمُ لِلأَرْضِ غَيْثٌ وَجَدا

لَسْتُ إِذَا مَا بَهَظَتْنِي غَمْرَةٌ * مِمَّنْ يَقُولُ بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى 
 
وَإِنْ ثَوَتْ بَيْنَ ضُلُوعِي زَفْرَةٌ * تَمْلَأُ مَا بَيْنَ الرَّجَا إِلَى الرَّجَا   
    
نَهْنَهْتُهَا مَكْظُومَةً حَتَّى يُرَى * مُخْضَوْضِعًا مِنْهَا الَّذِي كَانَ طَغَا 

وَلَا أَقُولُ إِنْ عَرَتْنِي نَكْبَةٌ * قَوْلَ القَنُوطِ انْقَدَّ فِي الجَوْفِ السَّلَى  

قَدْ مَارَسَتْ مِنِّي الخُطُوبُ مَارِسًا * يُسَاوِرُ الهَوْلَ إِذَا الهَوْلُ عَلَا  

لِيَ الْتِوَاءٌ إِنْ مُعَادِيَّ الْتَوَى * وَلِي اسْتِوَاءٌ إِنْ مُوَالِيَّ اسْتَوَى 

طَعْمِي الشَّرِيُّ لِلعَدُوِّ تَارَةً * وَالرَّاحُ وَالأَرْيُ لِمَنْ وُدِّي ابْتَغَى

لَدْنٌ إِذَا لُويِنْتُ سَهْلٌ مَعْطَفِي * أَلْوَى إِذَا خُوشِنْتُ مَرْهُوب الشَّذَا 

يَعْتَصِمُ الحِلْمُ بِجَنْبَيْ حَبْوَتِي * إِذَا رِيَاحُ الطَّيْشِ طَارَتْ بِالحُبَى

لَا يَطَّبِينِي طَمَعٌ مُدَنّسٌ * إِذَا اسْتَمَالَ طَمَعٌ أَوِ اطَّبَى

وَقَدْ عَلَتْ بِي رُتَبًا تَجَارِبِي * أَشْفَيْنَ بِي مِنْهَا عَلَى سُبلِ النُّهَى

إِذَا امْرُؤٌ خِيفَ لِإِفْرَاطِ الأَذَى * لَمْ يُخْشَ مِنِّي نَزَقٌ وَلَا أَذى

مِنْ غَيْرِ مَا وَهْنٍ وَلَكِنِّي امْرُؤٌ * أَصُونُ عِرْضًا لَمْ يُدَنِّسْهُ الطَّخَا 

وَصَوْنُ عِرْضِ المَرْءِ أَنْ يَبْذُلَ مَا * ضَنَّ بِهِ مِمَّا حَوَاهُ وَانْتَصَى

وَالحَمْدُ خَيْرُ مَا اتَّخَذْتَ عُدَّةً * وَأَنْفَسُ الأَذْخَارِ مِنْ بَعْدِ التُّقَى
     
وَكُلُّ قَرْنٍ نَاجِمٍ فِي زَمَنٍ * فَهْوَ شَبِيهُ زَمَنٍ فِيهِ بَدَا

وَالنَّاسُ كَالنَّبْتِ فَمِنْهُمْ رَائِقٌ * غَضٌّ نَضِيرٌ عُودُهُ مُرُّ الجَنَى 

وَمِنْهُ مَا تَقْتَحِمُ العَيْنُ فَإِنْ * ذُقْتَ جَنَاهُ انْسَاغَ عَذْبًا فِي اللَّهَا 

يُقَوَّمُ الشَّارِخُ مِنْ زَيْغَانِهِ * فَيَسْتَوِي مَا انْعَاجَ مِنْهُ وَانْحَنَى 

وَالشَّيْخُ إِنْ قَوَّمْتَهُ مِنْ زَيْغِهِ * لَمْ يُقِمِ التَّثْقِيفُ مِنْهُ مَا الْتَوَى

كَذَلِكَ الغُصْنُ يَسِيرٌ عَطْفُهُ * لَدْنًا شَدِيدٌ غَمْزُهُ إِذَا عَسَا

مَنْ ظَلَمَ النَّاسَ تَحَامَوْا ظُلْمَهُ * وَعَزَّ عَنْهُمْ جَانِبَاهُ وَاحْتَمَى 
 
وَهُمْ لِمَنْ لَانَ لَهُمْ جَانِبُهُ * أَظْلَمُ مِنْ حَيَّاتِ أَنْبَاثِ السَّفَا

وَالنَّاسُ كُلًّا إِنْ فَحَصْتَ عَنْهُمُ * جَمِيعَ أَقْطَارِ البِلَادِ وَالقُرَى  

عَبِيدُ ذِي المَالِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَعُوا * مِنْ غَمْرِهِ فِي جَرْعَةٍ تَشْفِي الصَّدَى 

وَهُمْ لِمَنْ أَمْلَقَ أَعْدَاءٌ وَإِنْ * شَارَكَهُمْ فِيهَا أَفَادَ وَحَوَى

عَاجَمْتُ أَيَّامِي وَمَا الغِرُّ كَمَنْ * تَأَزَّرَ الدَّهْرُ عَلَيْهِ وَارْتَدَى 

 لَا يَنْفَعُ اللُّبُّ بِلَا جَدٍّ وَلَا * يَحُطُّكَ الجَهْلُ إِذَا الجَدُّ عَلَا   

مَنْ لَمْ تُفِدْهُ عِبَرًا أَيَّامُهُ * كَانَ العَمَى أَوْلَى بِهِ مِنَ الهُدَى 

مَنْ لَمْ يَعِظْهُ الدَّهْرُ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا * رَاحَ بِهِ الوَاعِظُ يَوْمًا أَوْ غَدَا  
 
مَنْ قَاسَ مَا لَمْ يَرَهُ بِمَا يَرَى * أَرَاهُ مَا يَدْنُو إِلَيْهِ مَا نَأَى 

مَنْ مَلَّكَ الحِرْصَ القِيَادَ لَمْ يَزَلْ *  يَكْرَعُ فِي مَاءٍ مِنَ الذُّلِّ صَرَى 

مَنْ عَارَضَ الأَطْمَاعَ بِاليَأْسِ دَنَتْ * إلَيْهِ عَيْنُ العِزِّ مِنْ حَيْثُ رَنَا   

مَنْ عَطَفَ النّفْسَ عَلَى مَكْرُوهِهَا * كَانَ الغِنَى قَرِينَهُ حَيْثُ انْتَوَى 

مَنْ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ انْتِهَاءِ قَدْرِهِ * تَقَاصَرَتْ عَنْهُ فَسِيحَاتُ الخُطَا

مَنْ ضَيَّعَ الحَزْمَ جَنَى لِنَفْسِهِ * نَدَامَةً أَلْذَعَ مِنْ سَفْعِ الذَّكَا 

مَنْ نَاطَ بِالعُجْبِ عُرَى أَخْلَاقِهِ * نِيطَتْ عُرَى المَقْتِ إِلَى تِلْكَ العُرَى

مَنْ طَالَ فَوْقَ مُنْتَهَى بَسْطَتِهِ * أَعْجَزَهُ نَيْلُ الدُّنَى بَلْهَ القُصَا

مَنْ رَامَ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ طَوْقُهُ * مِ العِبْءِ يَوْمًا آضَ مَجْزُولَ المَطَا 

وَالنَّاسُ أَلْفٌ مِنْهُمُ كَوَاحِدٍ * وَوَاحِدٌ كَالأَلْفِ إِنْ أَمْرٌ عَنَا 

وَلِلفَتَى مِنْ مَالِهِ مَا قَدَّمَتْ * يَدَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا مَا اقْتَنَى  

وَإِنَّمَا المَرْءُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ * فَكُنْ حَدِيثًا حَسَنًا لِمَنْ وَعَى 

إِنِّي حَلَبْتُ الدَّهْرَ شَطْرَيْهِ فَقَدْ * أَمَرَّ لِي حِينًا وَأَحْيَانًا حَلَا 

وَفُرَّ عَنْ تَجْرِبَةٍ نَابِي فَقُلْ * فِي بَازِلٍ رَاضَ الخُطُوبَ وَامْتَطَى

وَالنَّاسُ لِلدَّهْرِ خَلًى يَلُسُّهُمْ * وَقَلَّمَا يَبْقَى عَلَى اللَّسِّ الخَلَا

عَجِبْتُ مِنْ مُسْتَيْقِنٍ أَنَّ الرَّدَى * إِذَا أَتَاهُ لَا يُدَاوَى بِالرُّقَى

وَهْوَ مِنَ الغَفْلَةِ فِي أَهْوِيَةٍ * كَخَابِطٍ بَيْنَ ظَلَامٍ وَعَشى

نَحْنُ وَلَا كُفْرَانَ لِلهِ كَمَا *  قَدْ قِيلِ لِلسَّارِبِ أَخْلِي فَارْتَعَى

إِذَا أَحَسَّ نَبْأَةً رِيعَ وَإِنْ * تَطَامَنَتْ عَنْهُ تَمَادَى وَلَهَا   
 
كَثلَّةٍ رِيعَتْ لِلَيْثٍ فَانْزَوَتْ * حَتَّى إِذَا غَابَ اطْمَأَنَّتْ إِنْ مَضَى

نُهَالُ لِلأَمْرِ الَّذِي يَرُوعُنَا * وَنَرْتَعِي فِي غَفْلَةٍ إِذَا انْقَضَى

إِنَّ الشَّقَاءَ بِالشَّقِيِّ مُولَعٌ * لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ لَهُ إِذَا أَتَى 

وَاللَّوْمُ لِلحُرِّ مُقِيمٌ رَادِعٌ * وَالعَبْدُ لَا تَرْدَعُهُ إِلَّا العَصَا

وَآفَةُ العَقْلِ الهَوَى فَمَنْ عَلَا * عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَا 

كَمْ مِنْ أَخٍ مَسْخُوطَةٍ أَخْلَاقُهُ * أَصْفَيْتُهُ الوُدَّ لِخُلْقٍ مُرْتَضى

إِذَا بَلَوْتَ السَّيْفَ مَحْمُودًا فَلَا * تَذْمُمْهُ يَوْمًا أَنْ تَرَاهُ قَدْ نَبَا 

وَالطِّرْفُ يَجْتَازُ المَدَى وَرُبَّمَا * عَنَّ لِمَعْدَاهُ عِثَارٌ فَكَبَا

مَنْ لَكَ بِالمُهَذَّبِ النَّدْبِ الَّذِي * لَا يَجِدِ العَيْبُ إِلَيْهِ مُخْتَطى 

إِذَا تَصَفَّحْتَ أُمُورَ النَّاسِ لَمْ * تُلْفِ امْرَءًا حَازَ الكَمَالَ فَاكْتَفَى  

عَوِّلْ عَلَى الصَّبْرِ الجَمِيلِ إِنَّهُ * أَمْنَعُ مَا لَاذَ بِهِ أُولُو الحِجَا 

وَعَطِّفِ النَّفْسِ عَلَى سُبلِ الأَسَا * إِنِ اسْتَفَزَّ القَلْبَ تَبْرِيحُ الجَوَى 
  
وَالدَّهْرُ يَكْبُو بِالفَتَى وَتَارَةً * يُنْهِضُهُ مِنْ عَثْرَةٍ إِذَا كَبَا 

لَا تَعْجَبَنْ مِنْ هَالِكٍ كَيْفَ هَوَى * بَلْ فَاعْجَبَنْ مِنْ سَالِمٍ كَيْفَ نَجَا  

إِنَّ نُجُومَ المَجْدِ أَمْسَتْ أُفَّلًا  * وَظِلُّهُ القَالِصُ أَضْحَى قَدْ أَزَى 

إِلَّا بَقَايَا مِنْ أُنَاسٍ بِهِمُ * إِلَى سَبِيلِ المَكْرُمَاتِ يُقْتَدَى

إِذَا الأَحَادِيثُ اقْتَضَتْ أَنْبَاءَهُمْ * كَانَتْ كَنَشْرِ الرَّوْضِ غَادَاهُ السَّدَى 

لَا يَسْمَعِ السَّامِعُ فِي مَجْلِسِهِمْ * هَجْرًا إِذَا جَالَسَهُمْ وَلَا خَنى

مَا أَنْعَمَ العِيشَةَ لَوْ أَنَّ الفَتَى * يَقْبَلُ مِنْهُ مَوْتُهُ أَسْنَى الرُّشَا

أَوْ لَوْ تَحَلَّى بِالشَّبَابِ عُمْرَهُ * لَمْ يَسْتَلِبْهُ الشَّيْبُ هَاتِيكَ الحُلَى 

هَيْهَاتَ مَهْمَا يُسْتَعَر مُسْتَرْجعٌ * وَفِي خُطُوبِ الدَّهْرِ لِلنَّاسِ أَسى 

وَفِتْيَةٍ سَامَرَهُمْ طَيْفُ الكَرَى * فَسَامَرُوا القَوْمَ وَهُمْ غِيدُ الطُّلَى 

وَاللَّيْلُ مُلْقٍ بِالمَوَامِي بَرْكَهُ * وَالعِيسُ يَنْبُثْنَ أَفَاحِيصَ القَطَا 
 
بِحَيْثُ لَا تُهْدِي لِسَمْعٍ نَبْأَةٌ * إِلَّا نَئِيمَ البُومِ أَوْ صَوْتَ الصَّدَى 
   
شَايَعْتُهُمْ عَلَى السُّرَى حَتَّى إِذَا * مَالَتْ أَدَاةُ الرَّحْلِ بِالجِبْسِ الدَّوَى
      
قُلْتُ لَهُمْ إِنَّ الهُوَيْنَا غِبُّهَا * وَهْنٌ فَجِدُّوا تَحْمَدُوا غِبَّ السُّرَى   

وَمُوحِشِ الأَقْطَارِ طَامٍ مَاؤُهُ * مُدَعْثَرِ الأَعْضَادِ مَهْزُومِ الجَبَا 

كَأَنَّمَا الرِّيشُ عَلَى أَرْجَائِهِ * زُرْقُ نِصَالٍ أُرْهِفَتْ لِتُمْتَهَى

وَرَدْتُهُ وَالذِّئْبُ يَعْوِي حَوْلَهُ * مُسْتَكَّ سَمِّ السَّمْعِ مِنْ طُولِ الطَّوَى 

وَمُنْتجٍ أُمُّ أَبِيهِ أُمُّهُ * لَمْ يَتَخَوَّنْ جِسْمَهُ مَسُّ الضَّوَى  

أَفْرَشْتُهُ بِنْتَ أَخِيهِ فَانْثَنَتْ * عَنْ وَلَدٍ يُورَى بِهِ وَيُشْتَوَى 

وَمَرْقَبٍ مُخْلَوْلِقٍ أَرْجَاؤُهُ * مُسْتَصْعَبِ الأَقْذَافِ وَعْرِ المُرْتَقَى 

وَالشَّخْصُ فِي الآلِ يُرَى لِنَاظِرٍ * تَرْمُقُهٌ حِينًا وَحِينًا لَا يُرَى 

أَوْفَيْتُ وَالشَّمْسُ تَمُجُّ رِيقَهَا * وَالظِّلُّ مِنْ تَحْتِ الحِذَاءِ مُحْتَذَى
 
وَطَارِقٍ يُؤْنِسُهُ الذِّئْبُ إِذَا * تَضَوَّرَ الذِّئْبُ عِشَاءً وَعَوَى
    
آوَى إِلَى نَارِيَ وَهْيَ مَأْلَفٌ * يَدْعُو العُفَاةَ ضَوْؤُهَا إِلَى القِرَى  

للهِ مَا طَيْفُ خَيَالٍ زَائِر * تَزُفُّهُ لِلقَلْبِ أَحْلَامُ الرُّؤَى 

يَجُوبُ أَجْوَازَ الفَلَا مُحْتَقِرًا * هَوْلَ دُجَى اللَّيْلِ إِذَا اللَّيْلُ انْبَرَى

سَائِلْهُ إِنْ أَفْصَحَ عَنْ أَنْبَائِهِ * أَنَّى تَسَدَّى اللَّيْلَ أَمْ أَنَّى اهْتَدَى   

أَوْ كَانَ يَدْرِي قَبْلَهَا مَا فَارِسٌ * وَمَا مَوَامِيهَا القِفَارُ وَالقُرَى 

وَسَائِلِي بِمُزْعِجِي عَنْ وَطَنٍ * مَا ضَاقَ بِي جَنَابُهُ وَلَا نَبَا

قُلْتُ القَضَاءُ مَالِكٌ أَمْرَ الفَتَى * مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي وَمِنْ حَيْثُ دَرَى 

لَا تَسْأَلَنِّي وَاسْأَلِ المِقْدَارَ هَلْ * يَعْصِمُ مِنْهُ وَزَرٌ وَمُدَّرَى

لَا بُدَّ أَنْ يَلْقَى امْرُؤٌ مَا خَطَّهُ * ذُو العَرْشِ مِمَّا هُوَ لَاقٍ وَوَحَى   
  
لَا غَرْوَ أَنْ لَجَّ زَمَانٌ جَائِرٌ * فَاعْتَرَقَ العَظْمَ المُمِخَّ وَانْتَقَى 

فَقَدْ يُرَى القَاحِلُ مُخْضَرًّا وَقَدْ * تَلْقَى أَخَا الإِقْتَارِ يَوْمًا قَدْ نَمَا 

يَا هَؤُلَيَّا هَلْ نَشَدْتُنَّ لَنَا * ثَاقِبَةَ البُرْقُعِ عَنْ عَيْنَيْ طَلَا 

مَا أَنْصَفَتْ أُمُّ الصَّبِيَّيْنِ الَّتِي *  أَصْبَتْ أَخَا الحِلْمِ وَلَمَّا يُصْطَبَى 

اسْتَحْيِ بِيضًا بَيْنَ أَفْوَادِكَ أَنْ * يَقْتَادَكَ البِيضُ اقْتِيَادَ المُهْتَدَى

هَيْهَاتَ مَا أَشْنَعَ هَاتَا زَلَّةً * أَطَرَبًا بَعْدَ المَشِيبِ وَالجَلَا 
  
يَا رُبَّ لَيْلٍ جَمَعَتْ قُطْرَيْهِ لِي * بِنْتُ ثَمَانِينَ عَرُوسًا تُجْتَلَى  
     
لَمْ يَمْلِكِ المَاءُ عَلَيْهَا أَمْرَهَا * وَلَمْ يُدَنِّسْهَا الضِّرَامُ المُخْتَضَى

حِينًا هِيَ الدَّاءُ وَأَحْيَانًا بِهَا * مِنْ دَائِهَا إِذَا يَهِيجُ يُشْتَفَى

قَدْ صَانَهَا الخَمَّارُ لَمَّا اخْتَارَهَا * ضَنًّا بِهَا عَلَى سِوَاهَا وَاخْتَبَى

فَهْيَ تُرَى مِنْ طُولِ عَهْدٍ إِنْ بَدَتْ * فِي كَأْسِهَا لِأَعْيُنِ النَّاسِ كَلا 

كَأَنَّ قَرْنَ الشَّمْسِ فِي ذَرُورِهَا * بِفِعْلِهَا فِي الصَّحْنِ وَالكَأْسِ اقْتَدَى  
      
نَازَعْتُهَا أَرْوَعَ لَا تَسْطُو عَلَى * نَدِيمِهِ شِرَّتُهُ إِذَا انْتَشَى   

كَأَنَّ نَوْرَ الرَّوْضِ نَظْمُ لَفْظِهِ * مُرْتَجِلًا أَوْ مُنْشِدًا أَوْ إِنْ شَدَا

مِنْ كُلِّ مَا نَالَ الفَتَى قَدْ نِلْتُهُ * وَالمَرْءُ يَبْقَى بَعْدَهُ حُسْنُ الثَّنَا

فَإِنْ أَمُتْ فَقَدْ تَنَاهَتْ لَذَّتِي * وَكُلُّ شَيْءٍ بَلَغَ الحَدَّ انْتَهَى

وَإِنْ أَعِشْ صَاحَبْتُ دَهْرِي عَالِمًا * بِمَا انْطَوَى مِنْ صَرْفِهِ وَمَا انْسَرَى

حَاشَا لِمَا أَسْأَرَهُ فِيَّ الحِجَا * وَالحِلْمُ أَنْ أَنْبَعَ رُوَّادَ الخَنَا   

أَوْ أَنْ أُرَى لِنَكْبَةٍ مُخْتَضِعًا * أَوْ لابْتِهَاجٍ فَرِحًا وَمُزْدَهى.
                 
        
    














                           





تَرعى الخُزامى بَينَ أَشجـارِ النَّقـا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2355):

  25011- مُرَكِّبُ أَجْهِزَةٍ: monteur d’appareils . مُرَكِّبُ آلَاتٍ: monteur de machines . مُخْرِجٌ: monteur . 25012- مُرَكِّبُ الصَّفَح...