السؤال:
ما الفرق بين "أَوَلَمْ يَسِيرُوا" و "أَفَلَمْ يَسِيرُوا"؟
الجواب، والله أعلم:
يقتضي جواب هذا السؤال، أن نبيِّن بعض الأوجه التي ترد عليها الواو والفاء.
مع الرجوع إلى تفسير بعض السياقات التي ترد فيها الصيغتان (محلّ السؤال)، في
القرآن الكريم.
أولا-الواو:
مِن الأوجه التي تأتي عليها الواوُ المفرَدَة، ما يأتي:
1-العاطفة، ومعناها: مطلق الجمع، فتعطف الشيءَ على مصاحبه. نحو:
"فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ"، وعلى سابقه، نحو: "وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ"، وعلى لاحقه، نحو: "كَذَلِكَ يُوحَى
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ". ويجوز أن يكون بين متعاطفيها
تقاربٌ أو تَراخٍ، مثل: "إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ
المُرْسَلِينَ".
2-واو الاستئناف: نحو: "لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي
الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ".
3-واو الحال، الداخلة على الجملة الاسمية، نحو: جاء فلان والشمس طالعة، أو
الداخلة على الجملة الفعلية، نحو: جاء فلان وقد طلعت الشمس.
4-واو المفعول معه، وينصَب الاسم بعدها، نحو: سرت والنِّيلَ.
5-الواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح، نحو: "وَلُبْسُ
عِبَاءَةٍ وتَقَرَّ عيني"، أو مؤوَّل، نحو: "لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأْتيَ
مثلَه". ولا بد في هذا أن يتقدم الواوَ نفيٌ أو طلبٌ.
6-واو القَسَم ولا تدخل إلّا على مُظهر، ولا تتعلق إلّا بمحذوف، نحو:
"وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ".
7-واو دخولها كخروجها، وهي الزائدة، نحو: "حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا
وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا"، أثبتها جماعة من النحويين. وتزاد أيضًا بعد إلّا
لتأكيد الحكم المطلوب إثباته، نحو: ما من أَحَدٍ إِلَّا وله طمعٌ أَو حَسَدٌ.
8-واو الثمانية، ذكرها جماعة من الأدباء، ومن النحويين، ومن المفسِّرين.
زعموا أَنَّ العرب إذا عَدُّوا ، قالوا: ستة، سبعة، وثمانية: إيذانًا بِأَنَّ
السبعة عَدَدُ تامٌّ، وأَنَّ ما بعدها عددٌ مستأنف. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:
في التنزيل العزيز: "سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ"،
إلى قوله تعالى: "سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ".
9-الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها، لتأكيد لصوقها بموصوفها، نحو:
"عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ". وقيل: هي واو
الحال.
10-واو ضمير الذكور، نحو: الرجال قاموا.
11-واو الفصل، وهي واوٌ كتابيّة فحسب، كواو عَمْرو في الرفع والجر لتفرق
بينه وبين عُمَر. والواو الفارقة، كواو: أولئك، وأُولِي.
وتنفرد الواو العاطفة عن سائر أحرف العطف بخمسة عشر حكمًا، هي:
1-احتمال معطوفها معانيَ ثلاثة، هي: عطف الشيء على مصاحبه، وعلى سابقه،
وعلى لاحقه.
2-اقترانها بِإِمَّا، نحو: "إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا".
3-اقترانها بلا، إن سبقت بنفي ولم يقصد المعيّة، نحو: ما قام زيد ولا
عَمْرٌو.
4-اقترانها بلكن، نحو: قام زيد ولكن عمرو جالس.
5-عطف المفرد السَّبَبِيِّ على الأجنبيّ، عند الاحتياج إلى الربط، نحو: مررت
برجل قائم زيدٌ وأخوهُ.
6-عطف العَقْدِ على النَّيِّفِ، نحو: أَحَدٌ وعشرون.
7-عطف الصفات المفرَّقة، مع اجتماع منعوتها، كقول الشاعر:
بكيت وما بُكَى رجل حزينٍ * على رَبعينِ مسلوبٍ وبالِ.
8-عطف ما حقه التثنية والجمع، كقول الفرزدق:
إنّ الرزيَّة لا رزيةَ مثلُها * فِقدانُ مثل محمّدٍ ومحمَّدِ.
9-عطف ما لا يستغنى عنه، نحو: جلست بين زيدٍ وعمرو
10-عطف العامّ على الخاصّ، نحو: "اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ
دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا".
11-عطف الخاصّ على العامّ، نحو: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيئِينَ
مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ".
12-عطف عامل حذف وبقي معموله، على عامل آخر، يجمعهما معنًى واحدٌ، نحو:
"وَزَجَّجْنَ الحواجبَ والعيونا"، أي: وكَحَّلْن العيونَ.
13-عطف الشيء على مرادفه، نحو: "إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي
إِلَى اللهِ"، و: "أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ".
14-عطف المُقدَّم على متبوعه للضرورة، مثل:
أَلا يا نخلةً من ذاتِ عِرق * عليكِ ورحمةُ الله السلامُ.
15-عطف المخفوض على الجِوارِ، نحو: "وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ
وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ"، فيمن خفض الأرجل.
ثانيًا: الفاء:
والفاء حرف مهمل لا عمل له. وتَرِدُ على أوجهٍ:
1-تكون عاطفة: وتفيد ثلاثة أمور:
أ-الترتيب، وهو نوعان: ترتيب في المعنى بأن يكون المعطوف بها لاحقًا متصلًا
بلا مهلة، كقوله تعالى: "خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ". وترتيب في
الذِّكر وهو عطف مفصَّل على مجمل، كقوله تعالى: "وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ
فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي" الآية.
ب-التعقيب، وهو في كل شيءٍ بحسبه، نحو: تزوج زيد فوُلد له. وتكون بمعنى
ثُمَّ، كقوله تعالى: "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا
الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ
لَحْمًا". وبمعنى الواو، كقول امرئ القيس:
"بسِقْط اللِّوَى بين الدَّخول فحوْمل".
ج-السببية، وذلك غالبٌ في العاطفة جملة أَو صفة.
فالأول، نحو: "فَوَكَزَهُ
مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ". وينصب بعدها الفعل المضارع إذا وقع بعد نَفْيٍ أو
طلَبٍ محضين، نحو قوله تعالى: "لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا".
والثاني، كقوله تعالى: "ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
المُكَذِّبُونَ*لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ*فَمَالِئُونَ مِنْهَا
الْبُطُونَ*فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ".
2-وتكون في جملة الشرط، وذلك أن الشرط والجواب يكونان في المستقبل بتأثير
أداة الشرط، فإذا كان الجواب دالًّا على الواقع وجبت الفاء، كقوله تعالى:
"وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". وكذلك
إذا كان دالًّا على الاستقبال من غير تأثير أداة الشرط، كقوله تعالى: "وَمَا
يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ"، وقوله تعالى: "مَنْ
يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأَتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ"، وقوله تعالى: "وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ
اللهِ فِي شَيْءٍ"، وقوله تعالى: "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ".
3-أن تكون زائدةً دالّة على التوكيد في الكلام، كقوله تعالى: "قُلْ
إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ". وقولك:
كل رجل يدخل الدَّار أو في الدار فله درهم. وفي التنزيل العزيز: "وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ". ونحو: وأَنت فَرَعَاك الله.
(المرجع: المعجم الوسيط، الصادر عن
مجمع اللغة العربية بالقاهرة).
ثالثا-أترك للسائل الكريم أن يراجع-على سبيل المثال- تفسير قوله تعالى:
"أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ" 109/ يوسف، واللفظ في 46/ الحج، 9/ الروم، 44/ فاطر،21/ 82/
غافر، 10/ محمد.
مع تحياتي لمحبي لغتنا العربية الجميلة، لغة القرآن الكريم، لغة العلم
والمعرفة، ولغة المستقبل بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق