الخميس، 28 فبراير 2013

تحديد المفاهيم (1)




إنّ المتتبع لما يروج – في أيامنا هذه – من مصطلحات وألفاظ وتعابير، يُدرِك مدَى حاجتنا جميعًا إلى تحديد المعاني والدّلالات والمفاهيم، حتى لا يَظَلّ كلّ طَرَف يُفسِّر المتداوَل من الكلام، كما يَحْلُو له، ويُفصِّله – على مَقاسه – ليتلاءمَ مع مصلحته الشخصية، دون اعتبار المصلحة العامّة لهذا العالَم الذي أصبح يعيش في قرية واحدة( بل في غرفة واحدة)، ويركب سفينة واحدة، لو حصل فيها ثقب وتسرّب إليها الماء لغرقت وغرقنا جميعا.
وفي هذه الحلقة الأولى من " تحديد المفاهيم "، أودّ أن أتوقّف عند بعض المفردات ، المتداوَلة على نطاق واسع في وسائل الإعلام المختلِفة ، مركِّزًا – بحكم التخصّص – على ما تعنيه هذه المفردات، لُغَةً واصْطِلاحًا. وذلك على النحو الآتي :
1-الإِرْهَاب :
أَرْهَبَهُ : خَوَّفَهُ وجَعَلَهُ يَرْهَبُ جَانِبَهُ ( أي : يَخَافُهُ ) . وفي التنزيل العزيز: " تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " 60/الأنفال.
والإرهابيون : وَصْفٌ يُطْلَقُ على الذين يسلكون سبيل العُنْف والإرهاب ، لتحقيق أهدافهم السياسية ( المعجم الوسيط ) .
وفي ضوء ما سبق، يبدو أنّ المفهومَ الذي أُطلِق – في الوقت الراهن – على هذا المصطلح، ليس دقيقا، لأنّ مفهومَه الدّقيقَ هو : الرَّدْع . رَدَعَهُ رَدْعًا : زَجَرَهُ وَكَفَّهُ وَمَنَعَهُ . بمعنى أنّ الإرهاب، هو أن تجعل عدُوَّكَ يَخَافُ جَانِبَكَ، دون أن يعني ذلك – بالضّرورة – الدّخول في حرب ، غير متكافئة، مَعَهُ .
2- الْفَسَاد :
مِن المادّيّ، الفساد : الْجَدْبُ في البَرّ والْقَحْط في البَحْر، وفي المَعْنَويّ :  نَقِيضُ الصّلاح (معجم ألفاظ القرآن الكريم ) . وفي التنزيل العزيز :
" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَت أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " 40/الروم . " وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ " 220/البقرة .
وجاء ، في المعجم الوسيط ،  فَسَدَ الرَّجُلُ : جَاوَزَ الصَّوَابَ والْحِكْمَةَ. وفسدت الأمور : اضطربت وأدركها الخَلَل .
3- الثَّوْرَة :
الثورة : تغيير أساسيّ في الأوضاع السياسية  والاجتماعية يقوم به الشعب في دولة مّا ( الوسيط ) .
يُفهَم من هذا التعريف أنّ الثورة ، يجب أن تكون بالطرق السلمية، لأنّ الشعب هو الذي يقوم بها . ولا يُفترَض في الشعب أن يكون مُسَلَّحًا . ومِن هنا، فإنّ إطلاق " الثورة " على المعارَضَة المُسلَّحة ليس دَقيقًا .
4-الْمُقَاوَمَة :
قَاوَمَهُ : في المُصارَعَة وغيرها : قَامَ لَهُ (الوسيط ). ولدينا مفهوم قَارٌّ ودقيق لهذا المصطلح، يتمثّل في مقاومة الشعب للمستعمر الذي يحتلّ أرضه ظلْمًا وعُدْوَنًا . فالمقاومة، بهذا المعنى، تعني عدم الخضوع والاستسلام للأمر الواقع الذي فَرَضَه المحتلّ، وهي بذلك مشروعة ومطلوبة، للدفاع عن الأرض بالغالي والنفيس، ومهما كلّف الثمن، لأنّ من مات وهو يدافع عن نفسه أو عِرضه أو ماله، فهو شَهِيد .
والغريب في الأمر، ما يحدث – في بعض الأحيان – مِن خلْط بين المقاومة المشروعة، وبين ما أصبح يُعْرَف ب " الإرهاب ".
ومِن هذا المُنطلَق، فإنّ مِن الأهمية بِمكان، تحديد المفاهيم بدقّة، وإلّا فإنّ كلّ طَرَف سيتصرّف انطلاقًا مِن مفهومه الخاص للأشياء، وبِذلك تَتَّسِع الهوة بين البشر في عالَم يطمح فيه العُقَلَاءُ إلى المزيد مِن الحوار والتفاهم والأمْن والرخاء والاستقرار .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2402):

  25481- مَسَامُّ (ثُقَبٌ وَمَنَافِذُ عَلَى ظَهْرِ جِلْدِ الجِسْمِ يَتَخَلَّلُهَا الشَّعْرُ): pores . مَسَامُّ الجِسْمِ: pores de la peau . ...