الأحد، 5 أبريل 2015

سؤال وجواب:





بعث إلي أحد القراء الكرام  بالسؤال الآتي:

لماذا تُكتَب كلمة "الْفَتَى" بألف مقصورة، وكلمة "الْعَصَا" بألف قائمة ؟

وسألني آخَر، لماذا يكتب بعضهم كلمة "الرَّحَى" بألف مقصورة، مع أنّ أصل الأف واوٌ ؟

الجواب، والله أعلم:

لَمَّا كانت هذه الأسئلة مهمة للراغبين في تجنُّب الأخطاء الإملائية، فقد ارتأيتُ أن أتوسَّع- بعض الشيء- في الإجابة عنها.

وقبل ذلك، لا بدّ من التذكير بأنّ العربيةَ لغةٌ سَماعية قبل أن تكون قياسيةً. ومع أننا نميل إلى توحيد الإملاء، قدر المستطاع، فإنّ ذلك لا يعني أن نعتمد على القياس فقط ونلغيَ السّماع، بل إنّ السماع مقدَّم-لدى كثيرين- على القياس. ويوجد-من بين الحداثيين- مَن يدعو إلى ترجيح القياس، من باب التيسير. ومن وجهة نظري، فإنّ التيسير يكون بالجمع بين الاثنين، بحيث لا نخطِّئُ مَن اعتمد على أحدِهما وأهمل الآخَر. ولا داعي لتضييق واسع.

وعلى كل حال، فإنّ القاعدة تقول: تُكتَب الألف الليِّنة (وهي ألف غير مهموزة مفتوح ما قبلها) في الأسماء المُعْرَبَة الثلاثية، على شكل ياءٍ إذا كانت الألف منقلبة عن ياءٍ، مثل: الْفَتَى. وإذا كانت منقلبة عن واوٍ، كُتِبَت ألفًا، مثل: الْعَصَا.

وعندما نبحث في المُعجَمات/ المعاجم اللغوية عن الكلمات الثلاث (الْفَتَى، الْعَصَا، الرَّحَى)، محل الأسئلة، سنجد أنّ في الأمر متسَعًا. فالقاعدة التي أتينا على ذكرها ليست قاعدة مطلقة (وقد يكون لكل قاعدة استئناء)، وإنّما جِيءَ بها لمساعدة الناس على الكتابة بطريقة صحيحة، وهذا هو الهدف الرئيس (دراسة القواعد ليست هدفا في ذاتها). وتتأكّد أهمية معرفة القواعد بالنسبة إلى الذين لم يتعمّقوا في دراسة اللغة  ولم يطّلعوا على ما دُوِّن منها قديمًا (قبل تقعِيدها)، وهو ما يعرَف بالسّماع.

جاء في المعجم الوسيط، الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة:

1-الْفَتَى: الشّابُّ أولَ شَبابه بين المراهقة والرجولة. مُثَنَّاهُ: فَتَيَانِ، وفَتَوَانِ. ج. فِتْيَانٌ، وفِتْيَةٌ، وفُتُوٌّ، وفُتِيٌّ.

نلاحظ هنا أنّ فكرة تثنية الكلمة أو جمعها أو تصغيرها (وهي قاعدة معروفة) لمعرفة أصل الألف هل هو ياء أو واو)، لا تَشفي غليلنا في جميع الحالات. بمعنى أنّ هذه القاعدة ليست مُطْلَقة. وأعتقد- في هذا المجال- أنّ الصيغ الواردة في القرآن الكريم تفيدنا في ترجيح كتابة كلمة "الفتى" بالألف المقصورة. من ذلك: (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) 60/ الأنبياء. (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ) 36/ يوسف.

2-الْعَصَا: ما يُتخَذ من خشب وغيره للتوكؤ أو الضرب (مؤنثة). المثنى: عَصَوَانِ. الجمع: عِصِيٌّ. التصغير: عُصَيَّة.

3-الرَّحَا، والرَّحَى: الأداة التي يطحن بها، وهي حجران مستديران يوضع أحدهما على الآخَر ويُدار الْأَعْلَى على قُطْبٍ. ج. أَرْحٍ، وأَرْحَاءٌ، ورُحِيٌّ. ومعنى هذا أنّ الكلمة تكتَب على وجهين (الرحا، والرحى). يقال: رَحَا يَرْحُو رَحْوًا (أصل الألف واو). وعلى السائل أن يحكم ذوقه، ويستفيد من القاعدة ، ومن السّماع. ولابد- في هذا المجال- من الاطلاع على المصادر والمراجع النافعة (القرآن الكريم، والشعر ، والمعاجم، والقواعد ذات الصلة...).

ملاحظة:

جاء في كتابي: "المرشد في تجنب الأخطاء اللغوية وتصويب الشائع منها"، ص.14، ما ياتي:

ونظراً إلى أنَّ اللغةَ العربية لغةٌ سَماعيةٌ قبل أن تكون قياسيةً، وبما أنَّ السماعَ يُرجَعُ فيه إلى كُتُب اللغة، لا إلى كُتُب النحو والصرف فحسب، فإنني أنصح القارئ الكريم بالاهتمام باللغة، والجمع بين الأصالة والمعاصرة. وتَقتضي الأصالة، الرجوع إلى التراث المدوَّن في أُمَّهات كتب اللغة، للاطلاع على ما استُعمِل في زمن الاحتجاج، لأنّ الكلام ليس كله على درجة واحدة من الفصاحة، فمنه الأفصح، والفصيح، والقليل، والنادر، والشاذّ. وفي الوقت نفسه، تقتضي المعاصرة الانفتاح على الأساليب الجديدة، دون أن نتنكَّر لما استُعمِل في زمن الاحتجاج، وما جَرَى تَقْيِيسُه –بعد ذلك- في قواعد النحو والصرف التي لولاها لما صمدت لغتنا في وجه ما عرفته البشرية من اختلاط في الألسن وما ترتَّب على ذلك من تفشٍّ للحن.

ومن جهة أخرى، فإنني لا أريد أن أُضَيِّق على الكاتب أو المتحدِّث بحيث يَتَصوَّر أنّ اللغة العربية لغة معقَّدة وأنّه من الصعب التعامل معها والتحكم فيها. إنني أُريد، باختصار شديد، أن نتجنب الخطأ الفاحش وأن نترفَّعَ عن الأسلوب الركيك، وأن نلتزم –قدر المستطاع- بالصحيح الفصيح.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2411):

  25571- مُسْتَحِمٌّ (مُغْتَسِلٌ): un baigneur . اسْتَحَمَّ (اغْتَسَلَ): se baigner, se laver . 25572- مُسْتَحْوِذٌ/ آخِذٌ/ قَابِضٌ (صِفَة...