الخميس، 2 مايو 2019

التَّوْكِيدُ:



يُقال: تَأْكِيد، وتَوْكِيد، وهما لغتان وليس أحد الحرفين بدلا من الآخَر، وفائدته تمكين المعنى في نفْس المخاطَب، وإزالة الغلط في التأويل وإماطة الشبهة أو توهم النسيان والسهو، فأنت إذا قلت: جَاءَ القَائِدُ، فإنّ لظان أن يظن أنك غير جاد أو أنك توهمت ذلك فإذا أكدت قولك بإعادته مثلا فقلت: جَاءَ القَائِدُ، جَاءَ القَائِدُ، أزلت ما قد يعلق في نفْس السامِع من الشك في قولك.

التوكيد، قسمان: لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ:

التَّوْكِيدُ اللَّفْظِيُّ:

يكون بتكرير لفظ المؤكَّد، كقول الشاعر:

أخاكَ أخاكَ إنّ مَن لا أخا له * كَساعٍ إلى الهَيجا بِغَيْر سلاحِ.

أو مرادفه، تقول مَثَلَا: أَقْبَلَ جَاءَ خَالِدٌ، فجملة جاء توكيد لجملة أقبل الابتدائية التي لا محل لها من الإعراب.

ويكون في الأسماء والأفعال والحروف والجُمَل والضمائر وكل كلام نريد تأكيدَه. مَثَلُ الاسم: رأيت خالدًا خالدًا، ومثل الفِعْل: قامَ قامَ الطالِبُ، ومثل الجُملَة: عَلَّمْت سالِمًا، علَّمت سالمًا، ومثل الحَرف:

 لَا لَا أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا * أَخَذَتْ عَلَيَّ مَوَاثِقًا وَعُهُودَا.

وَمَثَلُ الضمائر: نَجَحْتَ أَنْتَ، هذا والتأكيد بالتكرير يرجع إلى لفظ المؤكَّد كائنًا ما كان.

التَّوْكِيدُ المَعْنَوِيُّ:

يكون بألفاظ معيَّنة، وهي:

أولًا-نفْس وعَيْن، إذا كان يراد به رفع توهم المجاز (غير الحقيقة) أو السهو والنسيان، مثل: جَاءَ المُعَلِّمُ نَفْسُهُ. فأنت بهذا رفعت توهم مجيء ما له عَلاقة بالمعلم كوكيله مثلا، وثبت لدى السامع أن الجائي هو المعلم بالذات.
ثانيًا-كُلّ وأجمع وجميع، وعامة، وكلا وكلنا، ويراد بها إقرار الشمول والعموم، تقول: جَاءَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، أيْ أنّ المجيء شمل الجميع دون تخلف أحد.

التوكيد بنفس وعين: نفس وعين تتبعان المؤكَّد في الإعراب، فتقول: مَرَّ القَائِدُ نَفْسُهُ، رَأَيْتُ رَفِيقِي عَيْنَهُ، مَرَرْتُ بِالمُعَلِّمِ نَفْسِهِ.

ويجب أن تضافَ هذه الألفاظُ إلى ضمير عائد على المؤكَّد مطابق له كما مَرَّ، ويجوز في نفس وعين أن تدخل عليهما الباء الزائدة، مثل: جَاءَ الطَّالِبُ بِنَفْسِهِ، ونعرب نفسه اسمًا مجرورًا لفظًا مرفوعًا محلًّا على أنه توكيد للطالب.

إذا كان المؤكَّد مثنى أو مجموعا على وزن أفعُل وأضيفا إلى ضمير المؤكد، مثل: جَاءَ الوَلَدَانِ أَنْفُسُهُمَا، وَالأَوْلَادُ أَعْيُنُهُمْ حَضَرُوا.

وقد أجازوا تثنية نفس وعين تبعا للمؤكد، فتقول مَثَلًا: جَاءَ المُعَلِّمَانِ نَفْسَاهُمَا، وهذا قليل الاستعمال جدًّا.

تَوْكِيدُ الضَّمِيرِ تَوْكِيدًا مَعْنَوِيًّا بِالنَّفْسِ وَالعَيْنِ:

الضمير المستتر والبارز المرفوع، لا يؤكَّد بالنفس والعين إلّا بعد توكيده بالضمير المنفصل خشية الالتباس، فتقول: وَقَفْتُ أَنَا نَفْسِي، فلو قلت: وَقَفْتُ نَفْسِي، لَظُنَّ أنك تريد بذلك إيقاف نفسك عن أمر ما.
أمّا إذا كان الضمير منصوبًا أو مجرورًا، فلا يجب فيه ذلك، مثل: شَاهَدْتُهُ نَفْسَهُ، مَرَرْتُ بِهِ عَيْنِهِ.

التوكيد بكل وجميع وعامة:

يُؤكَّد بها الجمع مطلقًا، وهي كذلك تتبع المؤكَّد في الإعراب، ويجب أن تُضافَ إلى ضمير يعود على المؤكَّد.
ويمكن تقوية التوكيد (كل) بكلمة أخرى هي: أَجْمَع للمذكَّر، وجَمْعَاء للمؤنَّث، وأَجْمَعِين لجمع الذكور، وَجُمَعُ لجمع الإناث، تقول: نَجَحَ الصَّفُّ كُلُّهُ أَجْمَعُ، خَرَجَتِ المَدِينَةُ كُلُّهَا جَمْعَاءُ، أَقْبَلَ المُعَلِّمُونَ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، وَرَأَيْتُ النِّسَاءَ كُلُّهُنَّ جُمَعُ. وقد يؤكَّد بهذه الألفاظ دون ذكر (كل). قال تعالى: (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).

أَجْمَعُ وَجَمْعَاءُ وجُمَعُ، ممنوعات من الصرف ولذا فإنها لم تُنَوَّنْ.

فوائدُ:

1-عامة وجميع، إن لم تضافا إلى الضمير، نصبتا على الحالية.

2-لفظ كافة، يرى بعضهم أنها من ألفاظ التوكيد، وهي في الواقع لا تستعمل إلّا بعد تمام الكلام منصوبة على الحال، فتقول: جَاءَ القَوْمُ كَافَّةً، وليست للتوكيد. و(قاطبة) مثل (كافة).

3-ضمير الرفع المنفصل، يؤكد كل ضمير متصل سواء كان في محل رفع أو نصب أو جر، فتقول مَثَلًا: أَحْسَنْتُ أَنَا، وَشَكَرْتُكَ أَنْتَ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ هُوَ، وفي كل هذه الأمثلة يعرب الضمير المنفصل تابعا لما قبله ويأخذ محله من الإعراب، مثل: شَكَرْتُكَ أَنْتَ، فأنت: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل نصب توكيد للكاف في شكرتك.

4-(كلا) تؤكد المثنى المذكر، و(كلتا) تؤكد المثنى المؤنث، مثل: جَاءَ الرَّجُلَانِ كِلَاهُمَا، وَشَاهَدْتُ الرِّوَايَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، وتعربان إعراب المثنى ملحقتين به لأنهما أضيفتا إلى الضمير.

5-لا يؤكد إلّا المعرفة، ويمكن توكيد النكرة إذا كانت محدودة وكان لفظ التوكيد غير نفس وعين، مثل:
نَلْبَث حَوْلًا كاملًا كُلَّه * لا نلتقي إلّا على منهج.

6-قد يتكرر الضمير بدلا من الاسم الظاهر، مثل: مَرَرْتُ بِخَالِدٍ بِهِ وَحْدَهَ.

7-إذا أكدت الحروف المشبهة بالفعل، كررتها مع اسمها بلفظه أو بضميره، مثل قول الشاعر:
وإنَّ امرأً دامت مَواثيقُ عهده * على مثل هذا إنه لكريم.

وقد تتكرر هذه الحروف بنفسها، ومنه قول الشاعر:
إِنَّ إِنَّ الكريمَ يحلم ما لم * يَرَ مَن قد أجاره أضيما.

ويعده بعض النحويين شاذًّا، لأنه إذا أريد توكيد الحرف الذي ليس للجواب فيجب إعادته مع ما اتصل به.

8-أكد العرب بعض الألفاظ بمرادفات لها معينة، كقولهم: هَاعٌ لَاعٌ، أي جَبَانٌ جِدًّا، وَحَسَنٌ بَسَنٌ، وَخَبِيثٌ نَبِيثٌ، وكله من قبيل السماع.

9-إذا تكررت ألفاظ التوكيد، فهي للمتبوع وليس الثاني تأكيدا للتأكيد، مثل: جَاءَ القَوْمُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، فأجمعون توكيد ثانٍ للقوم.

10- إذا أضيفت (كل) إلى مثل متبوعها، أعربت نعتًا للمتبوع لا توكيدًا، مثل: رَأَيْتُ الرَّجُلَ كُلَّ الرَّجُلِ.

11-اختلف العلماء في أمر توكيد النكرة، فقال البصريون: لا تؤكد. وقال الكوفيون: تؤكد إذا أفادت، والإفادة هنا هي أن تكون النكرة المؤكدة محدودة، مثل: غِبْتُ شَهْرًا كُلَّهُ، فشهر مدة محدودة، أو أن يكون المؤكد من ألفاظ الشمول، وهي: كل وجميع وعامة، والرأي الأخير أصح إذ إن العرب قبلته. قالت عائشة رضي الله عنها: ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شَهْرًا كُلَّهُ إلّا رمضانَ، وقول الشاعر:
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب * ياليت عِدَّةَ حَوْلٍ كُلِّهِ رَجَبُ.

12-كثيرًا ما تقترن الجملة المؤكِّدة بعاطف زائد، مثل: "أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى"، فالفاء حرف عطف زائد وجملة أَوْلَى الثانية توكيد للأولى تابعة لها في الإعراب.

13-جمعاء مؤنث أجمع، تجمع على جُمَع، إذا نوي تنكيرهما ينصبان حينئذ على الحالية، مثل: أَعْجَبَنِي القَصْرُ أَجْمَعَ، والدَّارُ جَمْعَاءَ.

14-لو قلت: خالدة ذهبت نفسُها، ظن السامع أنها ماتت، والصحيح أن نقول: خالدة ذهبت هي نفسها.

15-نفس وعين، عندما تؤكد بهما اسما مجموعًا، تقول: أَنْفُس وأَعْيُن، أي على وزن أَفْعُل، ولا تقول: نفوس وعيون لأنهما جمعا قلة.

16-لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع ولا إلى النصب.

17-لا يجوز عطف بعض ألفاظ التوكيد على بعض، فلا يقال مَثَلًا: جَاءَ المُعَلِّمُ نَفْسُهُ وَعَيْنُهُ.

18-ألفاظ التوكيد مَعارفُ، ومنها ما يعرف بالإضافة إلى الضمير، أما أجمع وتوابعها فيقال في نسبة التعريف لها إنها بنية الإضافة أو بالعلمية باعتبار أنها تؤدي معنى الشمول.

19-إن وقوع (كل) فاعلا قليل في الاستعمال العربي، أمّا وقوعها مبتدأ فكثير في جميع الأحوال، مثل: "كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ"، كُلُّ ذَاتِ ذَيْلٍ تَخْتَالُ، إلخ.

(المرجع: المرجع في اللغة العربية/ لعلي رضا. دار الفكر).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2402):

  25481- مَسَامُّ (ثُقَبٌ وَمَنَافِذُ عَلَى ظَهْرِ جِلْدِ الجِسْمِ يَتَخَلَّلُهَا الشَّعْرُ): pores . مَسَامُّ الجِسْمِ: pores de la peau . ...