تحتضن الكويت، في الأسبوع الأخير من شهر
مارس/ آذار 2014م، القمة العربية (25) تحت شعار:"قمة للتضامن من أجل مستقبل
أفضل". تُعقد هذه الدورة في أجواء سياسية عربية ملبَّدة بغيوم- نرجو أن تكون
سحابة صيف تنقشع بسرعة-وفي وقت تزداد فيه بُؤَر التوتر، عربيا وإقليميا ودوليا.
ودون الخوض في التفاصيل المملة التي تلوكها الألسن على مدار الساعة وتتناقلها
يوميا وسائل الإعلام المختلفة، أريد أن أُذكِّر بأنّ مؤسسات العمل العربيّ المشترك
لم تستطع-منذ تأسيسها- أن تكون في مستوى انتظارات المواطن العربيّ، وإن كان ذلك
بنسب متفاوتة، حيث حققت بعض الإنجازات
الشكلية وأخفقت في الأمور الجوهرية التي على أساسها نكون أو لا نكون. وفي
مقدمة هذه الأمور: الوحدة والتضامن وتوحيد المواقف داخليا وخارجيا، وتحقيق الأمن
والحرية والعدالة وتكافؤ الفرص والرخاء والعيش الكريم للمواطن العربيّ. وبناءً على
هذه الحقائق، فقد آن الأوان لتشخيص الداء لننطلق في رحلة البحث عن العلاج. ينبغي
لنا جميعا-كل من موقعه-أن نضع الإصبع على الجرح ونحدد مَكمَنَ الخلل، بدءًا بمراجعة
هياكل هذه المؤسسات وآليات عملها وبرامجها ومشروعاتها وصلاحياتها، والهامش الذي
تتحرك فيه في علاقتها بأصحاب القرار في الدول العربية. إنّ بعض المتشائمين في
عالمنا العربيّ-ولستُ منهم- يرون أنّ هذه المؤسسات مشلولة ولا حول لها ولا قوة،
وأنها مجرد ساعي بريد أو سكرتارية للسلطات العربية القطرية، وليس لها حق التعبير
عن وجهة نظرها، أو اتخاذ مبادرات معينة أو حتى اقتراح حلول لبعض القضايا العاجلة
ذات الاهتمام العربيّ المشترك. ومهما يكن من أمر، فإن من واجب القادة العرب أن
يجعلوا هذه المؤسسات في وضع يتيح لها تحقيق الأهداف التي أُنشِئت من أجلها. ولعل
ممّا يُؤسَف له، ونحن نراقب عمل هذه المؤسسات، أنها مقصرة في وضع استراتيجيات
عربية محكمة، مبنية على تجارب الماضي ومعطيات الحاضر واستشراف المستقبل، للنهوض
بالأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية...وأخص بالذكر هنا- من باب
اهتماماتي الشخصية- ما ألحظه من غياب سياسة لغوية موحدة تحافظ للأمة على هُويتها
وفكرها وثقافتها والمكانة اللائقة بها بين الأمم. وللأمانة، فإنّ المجتمع الأهليّ
قام بدورمهم في هذا المجال-يذكر فيشكَر-في الوقت الذي ظل فيه القرار السياسيّ
غائبًا.
ولا بد من الإشارة، بهذه المناسبة، إلى أنّ
جهود مؤسسات العمل العربيّ المشترك لم تُوفَّق في التصدي لما تعرضت له بعض البلدان
العربية من تهديد للأمن القوميّ العربيّ، ولم يحالفها الحظ في رأب الصدع وتسوية
الخلافات العربية قبل استفحالها وخروجها عن السيطرة. من ذلك-على سبيل المثال لا
الحصر- ما يأتي:
1-لم تستطع هذه المؤسسات، وعلى رأسها جامعة الدول
العربية، أن تحل الخلافات العراقية الكويتية في مهدها حيث تركتها تزداد حدة
وتتفاقم إلى أن وصلت إلى احتلال الكويت، ثم تدمير العراق(دولة ومؤسسات وبنى تحتية)
والزج بمواطنيه في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ولا أحد يستطيع التنبأ بنهايتها
ولا بتداعياتها على أمن المنطقة، بصفة خاصة، وعلى الأمن العربيّ والدوليّ، بصفة
عامة.
2-لم تتمكن هذه المؤسسات من معالجة الأوضاع
التي تفجرت في أقطار عربية أخرى، والتي أدت تداعيات بعضها(مثل: ما حدث في ليبيا)
إلى تدخل جيوش أجنبية- بمباركة من جامعة الدول العربية- وما ترتب على ذلك من تدمير
البلد وترك مواطنيه يتصارعون على السلطة، مثل ما حدث في العراق، الأمر الذي يدل
على أنّنا لم نستفد من الدرس العراقي.
3-لم توفق في إيجاد مخرج من الحرب المدمرة في
سورية، على الرُّغم من خطورة الوضع وانسداد أيّ أفق للحل.
4-إخفاق مؤسسات العمل العربيّ المشترك، ومن
بينها اتحاد المغرب العربيّ، في تنقية الأجواء بين الدول الأعضاء في هذا الاتحاد،
ولا أدلّ على ذلك من أن الحدود مغلَقة بين عضويْن مهميْن من أعضائه(المغرب
والجزائر)، ممّا يحول دون المزيد من التعاون والتكامل والاندماج المغاربيّ.
5- وممّا يؤكد ضعف العمل العربيّ المشترك،
أنّ مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يجد صعوبة كبيرة-على ما يبدو- في اتخاذ
موقف موحد من بعض القضايا العربية والإقليمية التي ألقت بظلالها على ما كان يسود
من تفاهم وتعاون بين دول الخليج، لدرجة أنّ ثلاثة بلدان من أعضاء المجلس(السعودية
والإمارات والبحرين) سحبوا سفراءهم من دولة قطر، مع أنّ تجربة هذا المجلس كانت-
إلى عهد قريب-تعد من أنجح التجارب الوحدوية العربية.
يتبيَّن ممّا تقدم أنّ مؤسسات العمل العربيّ
المشترك توجد على المِحَك في الوقت الراهن، وعلى القادة العرب المشاركين في القمة
الكويتية أن يتحملوا مسؤو لياتهم كاملةً، تجاه شعوبهم وتجاه العالم، من خلال اتخاذ
قرارات تاريخية تعيد لهذه الأمة مجدها وترفع رؤوس أبنائها المتطلعين إلى التضامن
من أجل غد أفضل، كما ورد في شعار هذه الدورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق