الأحد، 15 مارس 2015

سؤال وجواب:





بعث إلي أحد القراء الكرام بما يأتي: كيف تكتب "مَا"، إذا دخلت عليها "مِنْ" و "فِي"؟ هل تكتب "من ما" أم "مِمَّا" / "فِي مَا" أم "فِيمَا"؟. أفيدونا، جزاكم الله خيرًا.

الجواب، والله أعلم:

إننا نفتخر ونعتز بكثرة مفردات لغتنا العربية الجميلة، وبمرونتها التي تسمح- في بعض الأحيان- بكتابة الكلمة بطرق مختلفة. ولكن هذا الغِنَى في الألفاظ، وهذه الإمكانات المتاحة لرسم الكلمات ، قد تسبب صعوبة في حُسْن الاختيار. ومن ثَمّ فإنني أنصح القراء دائما بمحاولة التوحيد، سواء أتعلق الأمر باختيار اللفظ (أو الكلمة أو المصطلح) المناسب للتعبير عن مفهوم معيَّن، أم باختيار كتابة الكلمة بطريقة واحدة (حسَب المقام)، وحتى لو كانت لها طرق كتابة أخرى صحيحة، مع التركيز على الشائع/ المتداوَل (بشرط أن يكون فصيحا)، حتى يسهل التفاهم بين الكاتب والمتلقي.  كما أنصحهم دائما بالاستفادة من أسلوب القرآن الكريم.

وأترك للسائل- بعد هذا التمهيد- أن يختار الجواب من الأمثلة المشار إليها في جوابي عن سؤاله (الأمثلة القرآنية بصفة خاصة). وذلك على النحو الآتي:

مِن: حرف جر يأتي على وُجُوهٍ، منها:
1-ابتداء الغاية، مثل: خرجت من البيت. 2-  وتفيد السببية والتعليل، مثل: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِم أغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا)25/ نوح، و "ما" هنا زائدة. 3- تأتي بمعنى "عن"، مثل: (لَقَدْ كُنت فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)22/ ق. 4- للتبعيض (يمكن أن تحل محلها "بعض")، مثل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)، أي بعضها. ونحو:  (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). منهم مَن أحسنَ ومنهم مَن أساءَ، إلخ. 5- تكون بيانية للجنس، مثل: هذا ثوب مِن صوف. 6- تكون مزيدة للتأكيد، مثل: ما جاءني مِن أحد. ويرى النحويون- ومنهم سيبويه- أنها لا تزاد إلّا إذا تقدمها نفي أو نهي أو استفهام، وأن يكون المجرور بكسرة، وأن يكون المجرور فاعلا أو مفعولًا به أو مبتدأ. ويُجَوِّز الأخفش الزيادة في الإيجاب، ويستشهد بقوله تعالى: ((يَغْفِر لَكم مِّن ذُنُوبِكُمْ). ومنه قول زهير:

ومهما تكن عند امرء من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم.

فِي: حرف جر، مِن معانيه:

1-الظرْفية، مثل: وَصَلَ فِي المساء، خالد في مدرسته (أي أنّ المدرسة قد حوته). . 2- تفيد معنى "مَعَ"، نحو: (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ)، أي: مَعَ أُمَمٍ. 3- السبَبِيَّة، مثل: عُوقِبَ فِي ذَنبِه (أي: بسببه). 4- المُقايَسَة، نحو: ليس شيئا يُذكَر في بلاده (أي: بالقياس إلى ما في بلاده). وفي التنزيل العزيز: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلّا قَلِيلٌ) 38/ التوبة. 5- الاسْتِعْلاء (بمعنى: على)، كما في قوله تعالى: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)، أي عليها. 6- بمعنى (بِ)، نحو: دَخَلَ فِي زِيه العسكريّ (أي: بزِيه)، وَقَفَ فِي الباب (أي: بالباب)، إلخ. 7- بمعنى (إلى)، كما في قوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا) 51/ الفرقان (أي: إلى كل قرية). 8- بمعنى: "مِن" التبعيضية، مثل: أخذت في الطعام قدر ما أردت (أي: أخذت منه).

مع العِلم انّ "فِيمَا": لفظ مركَّب من حرف الجر "فِي" و "مَا". وَفِيمَ: لفظ مركب من حرف الجر "فِي" و "مَا" الاستفهامية حذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها. تقول: فِيمَ تُفَكِّرُ؟، إلخ. و"ممّا": لفظ مركب من حرف الجر "مِن" و "مَا". وقد يدخل في هذا الإطار من التراكيب "نِعِمَّا" التي تتألف من "نِعْمَ" و "مَا"، قال الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ). وفي كل الحالات، المشار إليها- وفي غيرها- يفيدنا كثيرا الأسلوب القرآني المبين المُعْجِز، في الاسترشاد به والنسج على منواله. والأمثلة التي تعلق بأذهاننا من هذا النوع أفضل من حفظ القواعد (إذا لم نتمكن من الجمع بين الاثنيْن) التي ليست دراستها هدفا في حدّ ذاته، وإنما ندرسها لتكون وسيلة لمساعدتنا على فهم السياقات المختلفة وضبطها حسب حركات الإعراب، أو حسب السماع (فاللغة العربية سماعية قبل أن تكون قياسية). بمعنى أنّ الأمثلة المذكورة الواردة فيها "ممّا، وفيما"، تغنينا عن البحث في مدى صحة "من ما، وفي ما" (خاصة بالنسبة إلى غير المتخصصين). وكل ذلك من باب التيسير على الناس العاديين. وأقترح على غير المتخصص أن يكتب" ممّا"، بدل: "من ما"، وله الخيار في" فيما" أو "في ما". ولكل مقام مقال. مع الإشارة إلى أنّ الهدف الرئيس من هذه "النُّتَفِ" التي أسجلها للقراء الكرام، من خلال هذا البرنامج التفاعليّ  المُعَنْوَن "سؤال وجواب"، هو إعطاء توجيهات عامة تفيد في تَجَنُّب الأخطاء - قدر المستطاع- وتصويب الشائع منها، وليس إعطاء دروس مكتملة ومفصَّلة في اللغة و النحو والصرف... ثم إنني ألحظ  أن كثيرين منا، يتعمقون نسبيا في دراسة القواعد النحوية والصرفية، ويتبارون في إعراب الكلمات والجمل، لكنهم يرتكبون أخطاء لا تغتفر عندما يكتبون أو يتحدثون. وبعبارة أخرى، فإنني أقترح على المهتمين بالتمكن من الكتابة أن يكثروا من قراءة المراجع المكتوبة بلغة عربية سليمة (بدل: الاكتفاء بدراسة القواعد)، وسيتمكنون يوما مّا من محاكاتها والنسج على منوالها. وفي المقابل، فإنّ الإكثار من قراءة المنشورات المكتوبة بلغة "فاسدة" ستصيبهم ب "العدوى"، عن طريق تقليدها ومحاكاتها. ولن تفيدهم كثيرا في ذلك قراءة القواعد، فملكة الكتابة تكتسب من كثرة التطبيق والممارسة.
مع تحياتي للمهتمين بلغتنا العربية الجميلة، لغة القرآن الكريم، ولغة العِلم والمعرفة، ولغة المستقبل، بإذن الله.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2417):

  25631- مُسْتَعْطٍ (مُسْتَجْدٍ، مُتَسَوِّلٌ): un mendiant . اسْتَعْطَى (اسْتَجْدَى، تَسَوَّلَ): mendier . اسْتِعْطَاءٌ (اسْتِجْدَاءٌ، تَس...