السبت، 26 يناير 2013

استعينوا بالقرآن الكريم على كتابة اللغة العربية ونطقها بشكل سليم




أريد، في البداية، أن أنصح المهتمين بتعلُّم اللغة العربية بحفظ القرآن الكريم – أو ما تيسّر منه- إلى جانب تعلُّم القواعد النحوية والصرفية والبلاغية، وغير ذلك مما يندرج في البرامج الدراسية. فهذا القرآن الذي نزل بلسان عربيّ مبين " لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103/النحل)، كان معجزةً حقيقيةً، حيث عجز المشكِّكون  في نزوله عن الإتيان  بمثله "قُل لَّإِن اجْتَمَعَت  الانْسُ والْجِنُّ عَلَى أَنْ يَّاتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَايَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ  بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً" (88/الإسراء). ومن هنا نلاحِظ هذا الترابطَ الوثيق بين القرآن واللغة العربية، فالذي يريد أن يفهم القرآن يجب أن يتعلم اللغة العربية ، والذي يريد أن يتعمق في اللغة العربية يجب أن يحفظ القرآن، أو ما تيسّر منه، و يتدبّر معانيه ويغوص فيها ليكتشف الدُّرَرَ الكامنة فيه. وكان عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، يقول: (من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإن فيه خبرَ الأولين والآخِرين).
وفي الوقت الذي نشدّد فيه على أهمية الاستعانة بالقرآن الكريم على تعلّم اللغة العربية، لا بد أن نُذكّر بأن اللغة العربية ضرورية لتأدية الصلاة وفهم الكتاب والسُّنَّة، ومعنى ذلك أن معرفتها واجبة (ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلّا به فهو واجب) .
وإليكم أمثلة من الأسلوب القرآنيّ ، للاقتداء بها.
المذكّر والمؤنث في اللغة العربية
من خلال الصِّيَغ الواردة في القرآن الكريم، يمكن أن نكتشف الأسماء المذكرة، والأسماء المؤنثة، والأسماء التي يجوز تذكيرها وتأنيثها. ويتأكد الأمر بالنسبة إلى المذكر والمؤنث المَجازِيَّيْن، لأنّ المذكر الحقيقيّ هو ما نجد له مؤنَّثاً من نوعه ( يَلِدُ أو يَبِيض)، والمؤنث الحقيقيّ هو ما يقابله كذلك مذكر من نوعه. بينما المذكر المجازيّ هو الذي لا مُؤنَّث له، والمؤنَّث المجازيّ هو ما ليس له مُذكَّر من نوعه. وقد جرى الاتفاق على أن نجعل بعض أسماء الأشياء - التي لا حياة فيها - مذكراً وبعضها مؤنثاً. وهناك مقولة مُفادُها أنّ مالا يَعقِل يجوز تذكيره وتأنيثه، لكن هذا الأمر ليس على إطلاقه. فالواقع أن بعض الأسماء يُذَكَّر ويُؤنَّث، بالاتفاق. وبعضها لا يرد إلا في صيغة واحدة (مذكراً أو مؤنثاً). وما ورد على غير ذلك فهو شاذٌّ. ولا نريد الخوض في علامات التذكير والتأنيث لأنها موجودة في المراجع المتخصصة، وسنكتفي هنا بإعطاء مِثاليْن ممّا ورد في القرآن الكريم، للبحث على غرارهما.


من الأسماء المؤنثة التي ليست بها علامة التأنيث:
البئر "فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِيرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ" (43/ الحج").
وبما أن البئر وردت مرة واحدة في القرآن الكريم، وجاءت مؤنثة، فإن تأنيثها لاغُبارَ عليه.

النفْس " وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله" (145/آل عمران).
وما دمنا في مجال ذِكْر بعض الأسماء المؤنثة التي لا تلحقها علامة التأنيث، نشير إلى أن حروف الهجاء كلها مؤنثة، بينما أسماء الشهور العربية مذكَّرة كلّها إلا (جُمادَى) فهي مؤنثة. وهناك مجموعة من أعضاء الجسم مؤنثة، مثل: الضِّلع، والفَخِذ، والقدَم، والكتِف، والكَفّ، والورِك، والساق، والرِّجل...
وننصح بتتبع هذه الحالات في المراجع المُعتمَدة، بدءاً بالقرآن الكريم، ومُرُوراً بالشِّعْر العربيّ الذي هو "ديوان العرب"، وانتهاءً بالقواعد النحوية.
ضَبْط حركة عيْن الفعل
- بَسَط يبسُط (وَلَوْ بَسَط الله الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الَارْضِ(25/ الشورى).
"إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَّشَاءُ وَيَقْدِرُ" (30/الإسراء) .
-                         سَخِطَ "لَبِيسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُم أَنْفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (82/المائدة").
-                         زعَمَ يَزْعُم "زَعَمَ الذين كَفَرُوا أن لَّنْ يُّبْعَثُوا" (7/ التغابُن).

" وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُم الذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (23/الأنعام).
- حرَصَ " وَمَا أكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بمُومِنِينَ (103/يوسف).
" وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ (128/ النساء).
لو رجعنا إلى المعاجم، لوجدنا، حرَص على الشيء يَحْرِصُ وحَرِصَ يَحْرَصُ حِرْصاً، اشتدت رغبته فيه وعظُم تمسُّكه به، ولكننا نفضّل حرَص(بفتح الراء)، ومُسوِّغ هذا التفضيل هو ورودها في القرآن الكريم.
- نَفِدَ ينفَد " قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي"(109/الكهف).
إنّ التتبع لهذا النوع من الأساليب في القرآن الكريم ، مُعِين على التحكُّم في ضَبْطِ عَيْن الفِعْل بطريقة فصيحة .

الأسماء الممنوعة من الصرف.
من المعلوم أنّ الأسماءَ الممنوعةَ من التنوين (الممنوعة من الصرف)، أربعة أنواع: الأعلام، والصفات، وما خُتِم بألف التأنيث الممدودة أو المقصورة، والأسماء التي هي على وزن مُنتَهَى الجموع. ولهذه الأسماء قواعد يمكن الاطلاع عليها في المراجع المتخصصة.
وعلى الرُّغم من هذه القواعد، فإنّ بعضَ قبائل  العرب لا تمنع شيئاً من التنوين. ولا يعني هذا أننا مع الرأي القائل بعدم منع الصرف، ولكن أردنا فقط أن نُبيّن أن في الأمر مُتَّسَعاً، وحتى لا نُخَطِّئ الناسَ في كل صغيرة وكبيرة.
وفي هذا الباب، يمكن تتبع الأسماء الممنوعة من الصرف في القرآن الكريم للاستعانة بها على كتابة لغة عربية راقية. مثل" أشياء (ممنوعة من الصرف). يَأيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَن أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " (101/المائدة).
ونجد في المراجع المتخصصة أنّ أسماءَ البلاد والمواضع إذا كانت من ثلاثة أحرف وساكنة الوسط، جاز تنوينها و منعها من التنوين، مثل: مِصْر. ونجد في القرآن  الكريم ما يؤكد هذه القاعدة. "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً (87/يونس). ( بِمِصْرَ: مُنِعَتْ مِنَ الصَّرْفِ ). "اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّاسَأَلْتُمْ (60/البقرة).( مِصْرًا : لَمْ تُمْنَعْ مِنَ الصّرْفِ ).
تعابير وأساليب قرآنية مختلفة ينبغي الاستئناس بها.
- سَمَّى الشخصَ يُسمِّيه: وضع له اسماً، أي: سمّاه، وليس: أسماه، كما يجري في ألسنة الناس. مع أنّ (أسماه ) ليست خطأً ، لكننا نفضّل الأخرى الواردة في القرآن الكريم .
" هُو سَمَّاكُم الْمُسْلِمِينَ مِن قُبْلُ وَفي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" (76/الحج).
" وَإِنّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ (36/آل عمران).
-يُهْرَعُون "وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ (77/هود).
هُرِع يُهْرَعُ هَرْعا: أَسْرَع في عجلة كأنما يستحثُّه حادِث. وهنا ننبه القارئ الكريم على هذا النوع من الأفعال الذي يرد على هذه الصيغة.لأنّ كثيرين يقولون : يَهرع ( بفتح الياء ) ، و هو خطأ شائع .
-" كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ (66/المائدة).
واقتداءً بهذا الأسلوب القرآنيّ الرائع، ينبغي أن نقول: كلما زاد عِلْم الشخص زاد تواضعه. ولا نقول: كلما زاد علم الشخص كلما زاد تواضعه، لأن (كُلَّما) لا تتكرر في جملة واحدة. مع ملاحظة وضع الفعل بعدها في صيغة الماضي.
بعـــض
-"وَلَوْلاَ دِفَاعُ  اللَّهِ النَّاسَ  بَعْضَهُم  بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الَارْضُ (249/البقرة).
-"تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (251/ البقرة).
نلاحظ أن المتحدثين باللغة العربية لا يلتزمون، في أحيان كثيرة، بالصيغ الصحيحة للتراكيب التي وردت فيها "بعض" في القرآن وفي كتب النحو.
-           "قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذِي هُوَ أَدْنَى بِالذِي هُوَ خَيْرٌ (60/البقرة).
-           وَمنْ يَّتَبَدَّل الْكُفْرَ بِالاِيمَانِ فَقَد ضَّلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (107/البقرة).
نُلاحظ هنا أن (الباء) تقع مع المتروك. مع أننا نسمع يومياً عكس ذلك، في ما يجري في ألسنة الناس. فلو قلت مثلاً: استبدلتُ سيارةً حمراءَ بسيارةٍ بيضاءَ، فمعنى ذلك أن المتروك هو السيارة البيضاء. وعلى هذا النحو، أقول: استبدلتُ سيارةً جديدة بسيارتي القديمة؛ أي أنني تركتُ سيارتي القديمة. ومن هنا يجب التنبيه على هذه الأساليب حتى نحافظ على سلامة لغتنا العربية الجميلة، لغة القرآن الكريم. مع أننا لا نخطّئ - بالضرورة- من لم يلتزم بهذه  الأساليب وإنما نعتبر ذلك مستوى لغويا معيّنا لأن اللغة ليست على مستوى واحد ، كما هو معلوم ، و الله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليل المترجم (2416):

  25621- مُسْتَعْبَدٌ/ مُسْتَرَقٌّ (صِفَةٌ): asservi . اسْتَعْبَدَ (اسْتَرَقَّ): asservir, tenir en esclavage . عُبُودِيَّةٌ (رِقٌّ): esclav...