الأربعاء، 30 يناير 2013

صناعة المُعجَمات المتعددة اللغات و أهمية توحيد منهجية وضع المصطلحات



منهجية وضع المصطلحات، على أساس علميّ قويم، ليست بالسهولة التي قد يتخيلها بعض المهتمين بهذا المجال، خاصة إذا تعلق الأمر بالمعجمات المتعددة اللغات، لأننا في هذه الحالة- لابد أن  نراعي خصائص كل لغة على حدة، منطلقين من أن اللغة- أيّ لغة- ليست أداةَ  تواصل وحسْب، وإنما هي هُوية وثقافة ووعاء للفكر. وقد تنبه مكتب تنسيق التعريب في وقت مبكر لهذه القضية، فعقد عدة ندوات حول الموضوع، من أهمها ندوة الرباط سنة 1981م، وندوة عمان سنة1993 م ، وندوة طنجة سنة1995 م.
وفي مقال سابق بعنوان: منهجية مكتب تنسيق التعريب في اختيار المصطلحات العلمية ووضعها،علقت على بعض المبادئ الأساسية الصادرة عن ندوة الرباط وحرصت على نشر هذه المبادئ ، وعددها :18  ،في آخر المقال ، المشار إليه، لما قد يكون في ذلك من فائدة للمهتمين بالموضوع .
وأشير بهذه المناسبة إلى أنه : تنفيذًا للتوجهات والتوصيات الصادرة عن مؤتمرات التعريب الدورية التي تعقدها  المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وجهازها المتخصص مكتب تنسيق التعريب، والتي تشارك فيها الجامعات والمجامع والمراكز المتخصصة العربية، واسترشادًا باقتراحات الأساتذة، والخبراء المشاركين في الندوات المشار إليها، وضع المكتب منهجية واضحة المعالم، وأصبح يضعها تحت تصرف الخبراء الذين يتعاونون معه في مجال إعداد المشروعات المعجمية. كما يحرص على التنسيق الكامل والتشاور المستمر بين هؤلاء الخبراء، غير المتفرغين، وزملائهم العاملين بالمكتب، حتى تستجيب المعجمات الموحدة، الصادرة عن مؤتمرات التعريب، لأهم المعايير الاصطلاحية والمعجمية المتعارف عليها عربيًّا ودوليًّا.
ونظرا إلى أن المبادئ الأساسية لهذه  المنهجية، منشورة في وثائق المكتب الرسمية، وفي دوريته المتخصصة، مجلة "اللسان العربي"، ونشرت إلكترونيا-كما أسلفت- فإن هذه الورقة، سَتُعْنَى– أساسًا- بجانبين رئيسين أحدهما إجرائيّ، والآخر منهجيّ.
يتناول الجانب الإجرائيّ المراحل التي يمر بها إعداد مادة المعجم، قبل طبعه النهائيّ وطرحه للتداول .
لقد مر المكتب بعدة تجارب في هذا المجال، لا يتسع المقام هنا لذكرها، ولهذا، فإن الحديث سينصب على الإجراءات المعتمدة في الوقت الراهن. ولعل أهم شيء يحرص عليه المكتب، عند التعاقد مع فريق عمل لإعداد معجم معيَّن، في موضوع معيَّن، هو ضرورة وجود الأستاذ المتخصص(في مادة المعجم)، والمترجم، والمصطلحيّ، والمعجميّ، والمراجع اللغويّ،ضمن فريق الإعداد، حيث ثبت بالتجربة، أن إعداد معجم متعدد اللغات، يتطلب وجود فريق عمل متكامل، بالطريقة المشار إليها .
يتمثل الجانب المنهجيّ العلميّ، في الالتزام بالمبادئ والمعايير الواردة في منهجية اختيار الألفاظ والاصطلاحات، التي اعتمدها المكتب، بالإضافة إلى التنسيق والتشاور– عند الاقتضاء- مع خبرائه بوحدة الدراسات المعجمية والمصطلحية، في أثناء مراحل الإعداد المختلفة، بغية إنجاز العمل على أكمل وجه، قبل عرضه على مؤتمر للتعريب لدراسته وإجازته.
وانطلاقًا من أن الهدف الرئيس من هذه المعجمات هو إيجاد مقابلات عربية للمصطلحات الإنجليزية (المستخدمة في المشرق العربيّ) والمصطلحات الفرنسية (المستخدمة في المغرب العربيّ)، مع الانفتاح-عند الحاجة- على لغات حية أخرى، كما يحدث حاليا، بالنسبة إلى مشروع (arabterm) الذي يُعَدُّ نقلة نوعية في إطار التعاون العربيّ الألمانيّ، في هذ المجال ، وهو عبارة عن إعداد قاموس تقنيّ بأربع لغات(العربية-الإنجليزية-الفرنسية-الألمانية) ، ينشر على الشابكة (الإنترنت). و ينتظر أن يصدر في عشرين مجلدا، في مجالات مختلفة .علما بأن المجلد الأول، من هذا المشروع المهم ، صدر سنة (2011م) ،  وتضمّن المصطلحات الخاصة بمجال السيارات ، و أُطْلِقَ سنة (2012م) المجلد الثاني المتعلق بمصطلحات المياه .
وتنفيذًا لقرارات القمم العربية الداعية إلى النهوض باللغة العربية للتوجه نحو "مجتمع  المعرفة"، فإن منهجية المكتب  تركّز على المعايير الخاصة باختيار المصطلح العربيّ الرصين، مع الاهتمام باختيار المصطلحات (الإنجليزية أوالفرنسية أو الألمانية. إلخ.) الأكثر صلة بموضوع  المعجم – المقرر إعداده- من خلال اعتماد المصدر الحُجَّة والمرجع الأصيل، كما تُخْتَار المقابلاتُ العربيةُ المتفقُ عليها في البلدان العربية، وخاصة المعتمَد منها في مجامع اللغة العربية، والمؤسسات المصطلحية المتخصصة، ولدى العلماء والأفراد النَّابغين في موضوع المعجم.
ولا بأس من التذكير، في آخر هذه العُجالَة ، بالملامح العامة لمنهجية المكتب، وذلك على النحو الآتي:
ينبغي  العمل على وضع مصطلح عربيّ واحد للتعبير عن مفهوم المصطلح الوارد في اللغة المصدر (المترجَم منها)، في حقل معرفيّ واحد، لأن المصطلح يختلف عن الكلمة العامة التي تأخذ معناها مما حولها (أي : من السياق الواردة فيه)، بينما المصطلح يعبر عن مفهوم واحد، بصرف النظر عن السياق الوارد فيه. مع تفضيل المصطلح العربيّ الفصيح على المعرَّب (أي : المنقول بلفظه إلى العربية)، وتفضيل المصطلح الذي يسمح بالاشتقاق، بصفة عامة، والمصطلح المفرد، بصفة خاصة، لأنه يسمح بالاشتقاق، والنسبة، والإضافة، والتثنية، والجمع، كما يُستحسَن ضبط المصطلحات العربية  بالشكل– جزئيًّا أو كليًّا- حسَب الحاجة، حرصًا على صحة النطق ودقة الأداء، ويتعين ذلك أحيانا لتفادي اللّبس، مثل التفريق بين اسم الفاعل واسم المفعول نحو: مُكوِّن، مكوَّن، مرجِّح، مرجَّح، إلخ. وتوجد أمور تفصيلية أخرى يجري التداوُل فيها بين الخبراء، في أثناء إعداد المعجم، مثل: الحرص على التوافق بين لغات المعجم، من حيث المفهوم، والإفراد، والتثنية، والجمع، والصيغة (اسم، فعل، إلخ.)، ولابد من الإشارة كذلك إلى أن الأصل في المصطلح أن يوضع في صيغة الاسم (المصدر)، ويمكن أن يوضع في صيغة الفعل، في حالة عدم وجود الاسم، أو شيوع المصطلح في صيغة الفعل. وفي حالة استعمال، الفعل الوارد في اللغة (المصدر) في صيغة الماضي، ينبغي وضع المقابل له في اللغة (الهدَف) في الزمن الماضي كذلك، وهكذا بالنسبة إلى المضارع، إلخ. كما يستحسن التقريب بين المصطلحات العربية والمصطلحات العالمية -قدر المستطاع – لتسهيل الترجمة من لغة إلى أخرى، وذلك في حالة وجود مصطلح عربيّ أصيل وفصيح ، يتفق في اللفظ مع نظيره في لغات عالمية غير عربية، نحو : كَبْل (cable) وساتِل (satellite)، إلخ. وبالإضافة إلى أهمية التقارب بين اللغات العالمية، فإن: الكَبْل- في بعض الحالات- أدقُّ من: الحبل، لأنه يُعبِّر في بعض الأحيان، عن مجموعة  أسلاك معزول، بعضها عن بعض، موضوعة في غلاف واقٍ، وقد يُستعمَل في توصيل التيار الكهربائِيّ، أو في أمور أخرى، كما أن (الساتل)، أدقُّ من: القمر الصناعيّ، وهو المصطلح المتداول بكثرة  في  وسائل الإعلام. لابد كذلك من احترام – قدر المستطاع- الأوزان العربية، لما يترتب على ذلك من دقة في التعبير عن المفهوم، مع الحرص على كتابة المصطلح العربيّ بطريقة صحيحة، لأن كتابته بطريقة خاطئة قد تؤدي إلى فهم خاطئ، وأقرب مثال لذلك كتابة الهمزة بطريقة خاطئة، لصلة كتابتها بحركات الحروف .
وفي الختام، لابد من الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بتوحيد المصطلحات و المعايير والمناهج ،على مستوى العالم العربيّ، لما يترتب على ذلك من أثر محمود- عربياً ودولياً- وذلك لخلق لغة علمية عربية واحدة، تستوعب التطور العلميّ والثقافيّ، وتلبي حاجات التعليم والإدارة، وتستجيب لمستلزمات الإنتاج ومتطلبات مراكز البحوث العلمية.


 

الثلاثاء، 29 يناير 2013

ماذا يعني ترسيم اللغة العربية في الأمم المتحدة والاحتفال بها مرتين في السنة؟



جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم : 3190 (د.28)، الجلسة العامة رقم: 2206 بتاريخ 18/12/1973م  ما يأتي: " إنّ الجمعية العامة إذْ تُدرٍك ما للغة العربية من دور مهم في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته ، و إذْ تدرك أيضا أنّ اللغة العربية هي لغة تسعة عشر عضوا من أعضاء الأمم المتحدة (عدد الأعضاء الآن22)، وهي لغة عمل مقررة في وكالات متخصصة، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، وهي أيضا لغة رسمية ولغة عمل في منظمة الوحدة الإفريقية ( الاتحاد الإفريقيّ حاليا)، وإذْ تدرك ضرورة تحقيق تعاون دوليّ أوسع نطاقا وتعزيز الوئام في أعمال الأمم  على وَفْقِ ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة...، تقرر إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسة، والقيام ِبناءً عليه، بتعديل النظام الداخليّ للجمعية العامة المتصل بالموضوع ".
وفي إطار الاحتفال باليوم الدوليّ للغة الأم، وبِناءً على مبادرة من اليونسكو، تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر من كل سنة، باعتباره اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسة.
وقد حددت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فاتح مارس من كل سنة، للاحتفال باللغة العربية.
وبعد الإشارة، إلى القرارات الخاصة بترسيم اللغة العربية أمميا،والاحتفال بها سنويا، دوليا وعربيا، ارتأيتُ أن أجيب عن السؤال الوارد في العنوان من خلال مقتطفات من مقالات منشورة في ثلاث صحف عربية، لعل القارئ الكريم يدرك بعد قراءتها أن اللغة العربية فرضت نفسها على العالم، لِما تتمتع به من مقومات تجعلها تحتل المكانة اللائقة بها بين لغات الأمم، وذلك على الرُّغْم من تقاعُس الناطقين بها عن استعمالها، في التعليم الجامعيّ ، وفي بعض المرافق الحيوية الإدارية ، وتشكيكهم في قدرتها على مسايرة التقدم العلميّ والتقانيّ( التكنولوجيّ) .
كَتَبَ نبيل بنعمرو، في مقال له بعنوان: العربية... تلك اللغة الظالم أهلها: "مما لا شك فيه أن اللغة العربية تمر من أزمة حقيقية تكاد تكون أزمةَ وجود من حيث استعمالُها وتداولُها بين العامة والخاصة. فهي شبه مُغيَّبَة في التعاملات الإدارية، وهي كذلك مُحْتقَرَة لدى العديد من المثقَّفين أو بالأحرى لدى أشباه المثقفين الذين أصبحت لديهم قناعة بأن التحدث باللغة العربية هو رديف للتخلف، وأن استعمال لغة أجنبية في الخطاب وفي الأحاديث اليومية يُعبِّر عن مدى انتماء الشخص إلى العصر وإلى الحداثة. والأدهى من هذا هو أن اللغة الأجنبية (الفرنسية تحديدا بالنسبة إلى المغرب)هي اللغة الرسمية في المعاملات التجارية وفي داخل الأسواق الممتازة والمساحات الكبرى بين المُستخدَمِين والزبائن، وبين المستخدمين بعضهم مع بعض، حتى أصبحنا نسمع النداءات، المنبعثة من البوق داخل السوق الممتازة، والموجهة إلى المستخدَمين والذين كلهم من اليد العاملة المغربية، تقال حصريا– باللغة الفرنسية..." !
 ويقول سعيد سهمي: في مقال بعنوان: عندما تُحارَب اللغة العربية من طرف أبنائها، نُشر في"الأسبوع الصَّحَفِيّ" العدد 1059/622، بتاريخ 24 محرم 1432هـ/30/12/2010م: "أصبح واضحا لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن اللغة العربية لا تُحارَب من طَرَفِ جهات أجنبية، ولا من طرف "اللوبيات الفرانكفونية" ، ولا من طرف دعاة العولمة ؛ إنما من طرف " بيادق" ( وطنية) نصبوا أنفسهم كمسؤولين عن العربية ومدافعين عنها، في حين أنهم هم الذين يدمرون هذه اللغة تدميرا، ويسعون بكل جهودهم إلى الحط من معنوياتها. رغم أنها قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها، بل أعتقد أن النهوض بها سيكون على يد (أعدائها) المفترضين.
ففي جميع الدول الغربية تقريبا تدرس اللغة العربية في المعاهد أو الجامعات، لا لأبناء الجالية العربية والمسلمة فقط، وإنما يقع الاهتمام بها من طرف باحثين وأكاديميين ولسانيِّين، يدفعهم تارة فضولُهم العلميّ، وتارة رغبتهم في التعرف على جذور (الإرهاب)، وتارة أخرى إيمانهم بعظمة هذه اللغة التي صمدت زمنا طويلا بفضل بيانها وجماليتها . ولهذا يرى بعض علماء  المستقبَليات أنه بعد خمسين سنة ستتبوأ اللغة العربية المرتبة الثانية بعد اللغة الصينية التي ستقضي حتما على مركزية الإنجليزية. وإنها لحتمية رياضية تنجلي معالمُها اليوم بفعل انحسار كثير من الثقافات واللغات الغربية بعد فشل أكاذيب العولمة وظهور بوادر التراجع الأمريكيّ في الاقتصاد والسياسة وظهور بنية سكانية أوربية شائخة، وصعود " تنِّينات " آسيوية شامخة، فضلا عن التطور الذي يعرفه الإسلام  يوما بعد يوم في الشرق والغرب..." .
وجاء في صحيفة "النهار المغربية"العدد:2105 بتاريخ 29/03/2011م، تحت عنوان: الأتراك يتسابقون لتعلُّم اللغة العربية: "تعرف اللغة العربية في تركيا رواجا وازدهارا غير مسبوقين، منذ عدة سنوات، نتيجة الانفتاح التركيّ على العالم العربيّ في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، وخصوصا بعد إبرام اتفاقات تُلْغَى بموجبها تأشيرةُ الدخول مع عدد كبير من الدول العربية.
وأوضحت صحيفة ( زمان) التركية على موقعها الإلكترونيّ، أول أمس،  أن إلغاء تأشيرات الدخول وتطور العلاقات بين تركيا ودول الشرق الأوسط، مثل :  سورية، ولبنان ، والسعودية ،  والكويت ، وليبيا ، والعراق، أدَّى إلى زيادة إقبال المواطنين الأتراك على تعلُّم اللغة العربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن مركزا، لتعليم لغة الضاد، افْتُتِحَ من طرف غرفة الأسكندرونة التجارية بمحافظة "هطاي" جنوب تركيا"، لاقَى إقبالا منقطع النظير لدى المواطنين الأتراك.
وشهد الإقبال على تعلم اللغة العربية في تركيا، خلال السنوات الأخيرة، مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، وهو ما عزاه مراقبون سياسيون إلى تحسين العلاقات الثنائية والتجارية والسياسية بين تركيا والدول العربية.
يُذكَر أن تعليم اللغة العربية موجود بشكل رسميّ في تركيا، لا سيما ضمن برامج الأئمة والخطباء، إلى جانب كلية الشريعة واللغة العربية وآدابها".   
ويقول عبد القادر الفاسي الفهري، رئيس جمعية اللسانيات بالمغرب، في مقال له نشر في جريدة " المساء" المغربية، العدد:1686 بتاريخ 24/02/2012 م"... والمفارقة الغريبة التي كانت وما زالت تستعصي على فهمي هي أن العَقْد الذي هُمِّشَتْ ( وحُورِبَتْ) فيه اللغةُ العربيةُ هو العَقْد الذي سجل أكبر الأرقام في انتشارها عبر العالم، وازدهارها تقانيا، وعدديا، واتصاليا، إلخ، مما جعل بعض الدارسين يرشحونها لأن تصبح إحدى خمس لغات عالمية كبرى وقُطبية، وهذا العَقْد هو الذي شهد بزوغ أكبر الفضائيات العربية وأجودها وأكثرها مصداقية في نقل المعلومة ويمكن قياسها عند المغاربة قياسا موضوعيا إحصائيا، إلخ.
وهذا العقد هو الذي شهد ارتفاعا منقطع النظير لمستعملي الشابكة (الإنترنت) باللغة العربية، بحيث قفز عدد المستعملين من 2.5 مليون، سنة 2000م، إلى أزيد من 61 مليونا، سنة 2010م، أي : بزيادة 2500 في المائة. فهذه اللغة لها إمكانات عددية واتصالية وتقانية هائلة..." .
وبعد أن ذَكّرْتُ القارئ الكريم بمجموعة من القرارات والأفكار الخاصة باللغة العربية، بمناسبة الاحتفال بها في فاتح مارس، يطيب لي أن أشير إلى أنني كتبت مقالات كثيرة حول الموضوع يمكن الاطلاع  على بعضها في ُمُدَوَّنَتي" اللغة العربية أُمُّ اللغات "و في صفحتي على " الفيس بوك " .
وفي الختام، وقياسًا على المعادلة المعروفة لدى الأطباء : مضْغٌ جَيِّد= هَضْم جَيِّد= صِحَّة جَيِّدَة، يُمكِن صِياغة معادلتيْن أُخْرَيَيْن، هُما 1- تعريب الإدارة، في الوطن العربيّ= تقريبها من المواطن = تفاعُل إيجابيّ بين الحاكِم والمَحْكُوم= اختصار الوقت المُخَصَّص لإنجاز العمل= زيادة الإنتاج.
2- تعريب التعليم، في الوطن العربيّ= فَهْم جَّيِّد= اسْتِيعاب= إبْداع= تقدُّم علميّ= تَفاهُم جَيِّد بين المتعلِّمين، سواء أكانوا عَرَبًا أمْ غيرَ عرب، لأنّ كَسْرَ الحاجز اللغويّ هو اللبِنة الأولى في بناء وحدة وطنية قابلة للاستمرار، ولهذا فإن الدولة التي تريد أن تحافظ على وحدة مواطنيها تعلمهم جميعا بلغتها الرسمية، ولا تسمح بإعطاء الجنسية لأجنبيّ إلا بعد أن يتعلم لغتها. ولا يعني هذا، بحال من الأحوال، سَدَّ الباب أمام تعلُّم اللغات الحية الأجنبية. كما لا يعني عدم تطوير اللغات الوطنية الأخرى، إنْ وُجِدَتْ، وتخصيص البرامج المناسبة للناطقين بها.
نأمل أن يهتم العرب والمسلمون بلغة القرآن الكريم، ليواكبوا الاهتمام الدوليّ المتزايد بهذه اللغة الجميلة الخالدة المتألقة على مرِّ العصور.
كما نأمل أن يهتم أصحاب القرار، في الوطن العربيّ، بهذا المطلب الملحّ، لأن المواطن العربيّ، في الوقت الراهن، يكاد يشعر بالغربة في وطنه، عندما يدخل إدارة أو مؤسسة تعليم جامعيّ ، ولسان حاله يردِّد ما قاله المتنبي، عندما وجد نفسه غريبا في شِعب بُوان  بشيراز (فارس).
مَغَانِي الشِّعْبِ طِيبًا فِي المَغَانِي         بِمَنزِلَةِ الرَّبِيعِ مِنَ الزَّمَانِ
وَلكِنَّ الفَتَى العَرَبِيَ فِيهــَـا       غَرِيبُ الوَجْهِ واليَدِ واللّسَانِ.

الاثنين، 28 يناير 2013

قل و لا تقل



نظرًا إلى أنّني من المهتمين بمُطالَعة ما يُكتَب في الصُّحُف العربية- الورقية والإلكترونية- من أخبار وتحاليلَ ومُسَاجَلات، فقد لَفَتَ نَظَرِي أنّ الألفاظَ والعباراتِ التي يَستَخدِمُها بعضُ الكُتَّاب تحتاج إلى شيْءٍ من التهذيب .
ولو رجعنا إلى المعاجم لوجدنا أنّ تهذيبَ الكلام يعني تَخْلِيصَه ممّا يَشِينُه عند البُلَغاءِ. ينبغي في كِتاباتنا أن نتركَ للقارئ فُرصةً لاختبارِ  ذكائه، فالقارئُ النبيهُ يستطيع أن يقرأَ ما بيْن السُّطور، لِيَصِلَ إلى فَحْوَى الخِطاب ويَفْهَمَ – دُونَ عَناءٍ- مَضْمُونَه ومَرْماهُ، ولا يعني هذا أننا نريد تحويلَ الكتابة إلى ألغاز، ولكن المطلوب هو تبليغ  الخطاب بطريقة واضحة وبأسلوب مهذَّب يتجنَّبُ الألفاظَ النابيةَ والقَلِقَةَ والعباراتِ الجارحةَ، المشتمِلةَ على السَّبِّ والشتْم والنيْل من أعراض الناس، مع الحِرْص على استبدال التلميح بالتصريح الذي قد يَصِلُ إلى مُستوَى التجريح، فاللبيب بالإشارة يفهم.
إنّ المتتبعَ لما يُكتَب في الوقت الراهن، في بعض الصُّحُف العربية ، لا يَسَعُه إلّا أن يَدُقَّ ناقُوسَ الخَطَرِ، خَوْفًا على شبابنا وكُتّابنا المبتدِئين من أن يتأثروا بهذا القاموس الذي تطْغَى عليه مفردات، مثل: لِصّ ، نَذْل، حَقِير، مُنْحَطّ، مُجْرم، تافِه، خَبِيث، أحْمَق، مُفسِد، جاسُوس، فاشِل، وَقِح، لَعِين، مُزَوِّر، كَذَّاب، جَبَان، مُنْحَرِف، كَلْب، لَئِيم،...إلخ.
والغريب في الأمر أنّ هذه المفرداتِ التي تُناهِز العشرين، يمكن أن تَجِدَها مُجْتَمِعَةً في مقال واحد، أو تعليق على مقال، وتجد صاحبَ المقال أو التعليق يَصِفُ شخصا بعينه بهذه الأوصاف وبأشنع منها، لَا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ !
 إنَّكَ ستندَم – يا أخي- على ما كتبتَ، فبادِرْ إلى الإقْلاع عن هذا الأسْلوبِ وتأكَّدْ أنّ عاقبتَه وَخِيمَةٌ، في الدُّنيا والآخِرَة.
  وَمَا مِن كاتِبٍ إلّا سَيَفْنَى  ++++++++++++++  وَيبْقَى الدَّهْرَ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
فَلَا تَكْتُب بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ   +++++++++++++  تَرْضَى يَوْمَ القِيَامَةِ أَن تَرَاهُ.
وقد يَظُنُّ القارِئ – من خلال عُنوان هذه المَقالة- أنها تكملةٌ لبحثي السابق ،  المُعَنْوَنِ : "رَأيٌ في مسألة الأخطاء الشائعة" ، لأن "قُلْ ولا تَقُلْ"، أو:"الصَّوابُ: كذا والخطأ: كذا"، إلخ، صِيَغٌ يستعملها المهتمون بسلامة اللغة للتنبيه على الأخطاء اللغوية: النحوية والصرفية والتركيبية...وتصويبها.
ولكن المقصود هذه المرة  هو تهذيب الألفاظ والعبارات الواردة في النَّص، خاصة عندما يتعلق الأمر بمُساجلة أو نقاش أو جَدَلٍ عِلميّ، ممّا يتطلب قَرْعَ الحُجَّة بالحُجَّة لإعطاء الدليل القاطع على صِحَّةِ الرأي، دون تجاوُزِ حدود اللياقة التي يَكفُلُها فَنُّ الحِوار، لِأنّ الاختلافَ في الرأي لا يُفسِد للودّ قضيةً.
ينبغي أن نَسْترْجِعَ، من حين لآخَر، تراثَنا العربيَّ الإسلاميَّ لنستفيد ممّا يَزْخَرُ به من حِكَم وأقوال مأثورة، مِن ذلك أنّ الإنسانَ مَخْبُوءٌ تحت لسانه، فإذا تكلّم (أو كتَب) كشَف عن درجة عقله وكفاءة عِلْمِه. وهنا نشير إلى أهمية الإعْراضِ عن الردّ على من يَنتَهِج أسلوبًا غيرَ لائق في الكتابة، لأنَّ تجاهُلَه وعَدَمَ الردّ عليه هو أبلغُ رَدٍّ. وفي حالة الردّ على هؤلاء، ينبغي الالتزامُ بالأسلوب المهذَّب (والمهذِّب)، المشار إليه، المعتمِدِ على قَرْع الحُجَّة بالحُجَّة وتقديم الأدلة والبراهين على تَفْنِيد ما وَرَدَ في بعض الكتابات المُنْحرِفة، وذلك لتنوير الرأي العامّ بإعطائه المعلومات الصحيحة، وبهذا الأسلوب المهذَّب نعتقد أنَّ أصحابَ الأساليب الأخرى سيندمون على كتاباتهم، لأنهم سيُدرِكون أنّ الخطابَ يُمْكِن أن يَفِيَ بالغَرَضِ، دون اللُّجُوءِ إلى السَّبِّ والشَّتْم وإثارةِ الفِتَنِ.
وحتى لا يَكُونَ العُنوانُ في وَادﹴ والمُعَنْوَنُ (النَّصّ) في وادﹴ آخَر،  سَنرْبِط بين الاثنين، من خلال الأمثلة الآتية:
قل: الأفكار الرَّجْعِيَّة أو العَتِيقَة. لا تقل الأفكار المتعَفِّنة.
قل: السائر في الطريق، بإرادة وتصميم، لن تمنعَهُ العراقيلُ من الوصول إلى الهدف، أو قل: الرَّكْب يسير على الرُّغْم من تشويش المُشَوِّشِين، أو اخْتَرْ أيَّ نَسَق يُعبِّر عن المقصود دون أن تَصِفَ مُنافِسَكَ بصفات قَدْحِيَّةٍ. لا تقل: القافِلةُ تَسِيرُ والكِلابُ تَنبَحُ، لأنه لا يجوز استخدام هذا المَثَل، عند الحديث عن شخص بعينه، لكي لا يُوصَف بأنه كَلْبٌ.
عند الحديث عن صاحِب عاهَةٍ، قل: شخْص مِن ذَوِي الاحتياجات الخاصة، لا تقل: شخص مجنون أو معتوه، أو معوق....
إذا أردتَ أن تُفنِّد رأيَ شخْص.قل: إنني لا أتفق مع هذا الرأي.أو قل: إن هذا الرأي يحتاج إلى دليل قاطع للتأكد من وَجاهَتِه، لا تقل: إن هذا الرأي خَاطِئٌ وواهِم.
إذا أردتَ نَفْيَ خَبَرٍ أو تصحيحَ معلوماتٍ معيَّنة، قل: هذه المعلومات ليست دقيقةً، لا تقل: إن هذه المعلومات مُختلَقَة من ألِفها إلى يائها وصاحبها كذّاب أَشِر، لأن وصفها بعدم الدقة يعني أنها كاذبةٌ، وذلك المطلوب. ونُذكِّر مرة أخرى بأنَّ الأساليبَ المَنْهِيَ عنها، لا بأس من استعمالها في حالة التعميم، لتنفير الناس من الوقوع في مثلها، ولكن المنهي عنه والمذموم  هو استعمالها في حق شخص بعينه، ولنا أسوة حسنة في نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي كان يقول : ما بالُ أقوام يفعلون كذا وكذا... دون أن يذْكُرَهم بالاسم، مع أنه يعرفهم، لأنّ المُهمَّ هو تصحيحُ الخطإِ وتبيان النهج الصحيح، وليس فضحَ الناس والنيلَ من أعراضهم.
قِيلَ لرَجُل: مَن أدَّبَك؟ قال: نَفْسِي، فَقِيل له: وكيف ذلك؟ قال: كنتُ إذا استَقبَحْتُ شيئا من غيرِي اجْتنَبتُه.
أرجو أن يجتنب كُتَّابُنا ما يستقبحونه من غيرهم، وأن لا يحتقروا أحدًا، مَهْمَا كان وضْعُه أو مُسْتَواهُ.
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرًا فِي مُخَاصَمَةٍ             إنَّ البَعُوضَةَ تُدْمِي مُقْلَةَ الْأسَدِ.     

دليل المترجم (2398):

  25441- مَسَارُ مَقْذُوفٍ (مَسَارُ قَذِيفَةٍ): trajectoire d’un projectile . مَدَارُ كَوْكَبٍ: trajectoire d’une planète . 25442- مُسَارّ...