الخميس، 29 أغسطس 2013

تفصيح العامية (13)



*"الصّرْميَّه" ج."اصْرَامَه": المِخدّة (le coussin, l'oreiller): الوسادة يوضَع عليها الخَدُّ. و"اصْرَيْمِيَّه": الوُسَيِّدَة(le coussinet): المِخدّة الصغيرة. و "الصّرْمِي": مِخدة طويلة( أطول من "الصرميه" العادية). وفي الفصحى، الصَّرْمُ: الجِلْدُ(le cuir).  والصَّرَّام: بائعُ الجِلْدِ. وبائع الخِفافِ. الخُفّ( pantoufle  la): ما يُلبَس في الرِّجْلِ من جِلد رقيق. وفي المَثَلِ: رَجَع بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ. يُضرَب عند اليأسِ من الحاجة والرجوع بالخيبة.ج.خِفاف، وأخفاف. ولعلّ هناك علاقة بين الصرم، و "الصرميه" التي تُصنع من الجلد ، وتُحْشَى تِبْنًا (la paille) أو نحوَه. وكانت – سابقًا- تُحْشَى بما يُعرَف ب "أَهَرْهَارْ"، وهو مادّة ذات رائحة طيبة تُستخرَج من جذوع أشجار محلية تسمى "أَمُورْ" (أشرتُ سابقا إلى أنّ أسماء الأشجار غير موحدة على مسوى العالم العربيّ). ولعل هذه العادة مازالت موجودة في بعض المناطق(أي حشو "الصرمية" ب "أهرهار"). ومن معاني(الهرهار)، في الفصحى: اللحم الغثُّ(la viande maigre). وقد تكون هناك علاقة، على سبيل المَجازِ. تُلوَّن "الصرميه" ب" الشّرْكْ"، وهو صِباغ يُحضَّر محليا بطريقة بدائية، له ألوان زاهية متنوعة يسود فيها اللون الأحمر. وتدخل "الصرميه" – بأنواعها – ضمن منتجات الصناعة التقليدية الموريتانية، وتقتصر صناعتها على النساء، حيث تتفنَّنُ الصانعة الماهرة في تزيينها ببعض اللوحات والرسوم والزخارف والأهداب. وبالإضافة إلى وظيفة "الصرميه" الأساسية(وضعها تحت الخدّ)، فقد أصبحت تُعلَّق داخل بعض الغرف والقاعات لتزيينها(décor). كما تدخل ضمن الأثاث الذي يَصْحَب العروسَ عندما تنتقلُ من بيتِ أبويْها إلى بيتِ زوجها. وحبّذا لو اتُّخِذت إجراءات، بالتعاوُنِ مع شركات متخصصة، من أجل العمل على تثبيت مادة "الشرك"، إذ يُلاحَظ أن هذه المادة لا تصمد أمام أيّ بلل(ماء، أو عَرَق، أو أيّ سائل)، الأمر الذي يزعج المستخدِم عندما يَجِدُ لَوْنَ "الشرك" قد انْطبَع على خدّه أو على ملابسه.
*"كُورْجِيكَيْنْ"(تُنطَق الكافان نطق الجيم القاهرية): مُخَنَّثٌ/ خَنِثٌ(efféminé). خَنِثَ (être efféminé) الرَّجُلُ يَخنَث خَنَثا: فَعَلَ فِعْلَ المُخَنَّثِ، فلانَ واسترخَى وتثنَّى وتكسَّرَ. فهو خَنِثٌ. وتَخَنَّثَ الرَّجُلُ: خَنِثَ. والخُنثِيَّة/ التَّخَنُّث(hermaphrodisme): مصدر الفعل تَخَنَّثَ. مع ملاحظة أنّ التخنُّث يختلف عن الانحراف الجِنسيّ(pédophilie) الذي يميل الرَّجُلُ المصاب به –أعاذنا الله ممّا ابتلاه به- نحو معاشرة الأولاد الذكور.
*" الظَّبْيَه"، في "الحسّانيّة": وعاء الزاد، وكذلك: المِزْوَدُ: وعاء الزادِ. ج.مَزَاوِدُ. ومن معاني الظبية، في المعجم الوسيط: جُريّبٌ من جِلْدِ الغزالِ عليه شعْرُه. ج. ظِباءٌ. ومن المعلوم أنّ، الظَّبْية واحدة الظباءِ التي هي جنس حيوانات من ذوات الأظلاف ومجوَّفات القرون، أشهرها: الظبي العربيّ(الغزال الأعْفر). وما دام العرب قد توسعوا في معنى هذا اللفظ فأطلقوه على جُرَيّبٍ من جِلدِ الغزال، فلا أرى مانعا من التوسّعِ في المعنى مرة أخرى وإطلاقه على وعاء الزاد، دون تقييده بكونه من جلد الغزال أو عليه وبر.
لا شك في أنّ البتَّ في إدخال كلمات عامّيّة إلى المعجم اللغويّ الفصيح، يُعَدُّ من اختصاص مجامع اللغة العربية، لكن ذلك لا يمنع الباحثين من حثِّ المجمعيين على جعل المعجم الحديث يساير التطور اللغويّ لدى المجتمعات العربية، ولن يتأتى ذلك إلا بإغناء المعجم بما يُتداوَل شفهيا من ألفاظ لا تبدو غريبة عن الذوق العربيّ السليم(بما في ذلك الأوزان العربية). وهنا تكمن أهمية، بل ضرورة، تأسيس مجمع اللغة العربية الموريتانيّ للقيام بهذه المَهمّة التي لا يمكن أن يقوم بها إلا مَجْمَعِيّون يجيدون العامية الموريتانية(الحسّانيّة). وكما يقول المَثَل: أهل مكة أدرى بشِعابِها.
إنّني لا أرى مانعا من إدخال اللفظ المُفَصًّح، على غرار اللفظ المُعَرَّب، إلى المعجم اللغويّ الحديث، بحيثُ لا يقتصر المفصَّح على إرجاع الكلمة العامية إلى أصلها- إنْ وُجِدَ- وإنما يمتد إلى تغيير الكلمة العامية بالنقص، أو الزيادة، أو القلْب(كما جرى للفظ الأجنبيّ الذي غيره العرب بهذه الطريقة، والعامية لها الأولوية على اللفظ الأجنبيّ) لتتلاءمَ مع الأوزان العربية وتكون مستساغة- عربيا- لدى السامع، مع إعطائها تعريفا أو شرحا موجزا يوضح ماهيتها ومجال/ أو مجالات استخدامها. فلو أخذنا –على سبيل :المثال- كلمة "أَرَحَّالْ"("أمْشَقَّبْ" في بعض المناطق)، الذي يُتَّخذ في البوادي- داخل الخيمة الموريتانية- ليوضع عليه متاع المنزل(الخيمة)، من "تِيزِيَّاتِنْ"(وعاءان مصنوعان من الجِلدِ، يُتّخذان لحفظ الأغراض المنزلية) ونحو ذلك، وأردنا (أي أراد المجْمَع) أن ندخلَ هذا اللفظ إلى المعجم اللغويّ العربيّ الحديث، يمكن أن نغير في بنيته(بالنقص، أو الزيادة، أو القلب) بحيث يصبح: المِرْحَل أو: الرَّحَّال. مع ملاحظة أنّ هذه المادة ليست غريبة عن اللغة العربية الفصيحة. فالمِرْحَل من الجِمالِ: القويّ(وكذلك "أَرَحَّالُ" فهو قويّ). والرَّحَّال: صانِع الرَّحْلِ(selle de chameau). ولا مانع –حسَبَ تطور اللغة- من التّوسُّعِ في المعنى بحيث يكون من معاني الرّحّالِ: أَداة يوضع عليها متاع أهل المنزل(داخل الخيمة البدوية). وهذا التعريف أو الشرح، أتيتُ به لتقريب الفكرة من الذهن-فحسْب- وقد يضع المَجْمَعِيون تعريفا أفضل منه. ويمكن أن نقيس على ذلك"لخْطَيْرْ" الذي، لو أردنا تعريفه أو وصفه، لوجدناه قريبا من معنى: الهَوْدَج: أداة ذات قبة توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء. ويدخل في هذا الإطار: "احْمَارْ لكَربْ"(تنطق الكاف جيما قاهرية): أداة تُعلق فيها القِرَبُ. الترجمة الحرفية: حِمارُ القِرَبِ. ولابد من تفصيح هذا النوع من الألفاظ العامية.
*" اشْنِينْ"، هذا مثال آخر للكلمات العامية(الحسّانيّة) المرشَّحة للتفصيح( وهي كثيرة). جاء في المعجم الوسيط: الشُّنَانَة (بضم الشين): كل لبَن يُصبُّ عليه الماء حلِيبًا كان أو حَقِينًا(أي محقونا في الشكوة لا ستخراج زبدته). يمكن هنا أن نقول: الشَّنِينُ "أَشْنِينْ": اللبَنُ المَخِيض الذي أُضِيف إليه الماءُ. بمعنى أنّ: الشنين أخَصُّ من: الشُّنانة. فهذه تعني: المَذْق، وهو اللبن الممزوج بالماء(بصفة عامة). بينما، الشنين: اللبن الرائب المخيض الممزوج بالماء.
*"نَوْزَلْ": زُكِمَ(attraper un rhume) زُكَامًا، وزُكْمَةً: أصابه الزُّكَامُ . " النَّازْلَه": الزُّكام(le rhume):التهابٌ حادٌّ بغشاءِ الأَنفِ المُخاطيّ يتميَّز غالبا بالعُطاسِ"لعْطَاصْ"((éternuement والتّدميعِ، وإفرازات مُخاطية مائية غَزيرَةٍ من الأَنفِ. ويعبَّر عن الزكام أحيانا، بالرَّشْحِ أو البَرْدِ. مع ملاحظة أنّ هناك فرقًا بين الزكام، والإِنْفِلْوَنْزَا (la grippe): حُمّى مُعْدِية يسببها فيروس يتميز بالتهاب رشحيّ في الجهاز التنفسيّ أو الهضميّ أو العصبيّ، يصحبها صداع وأرق. انظر: المعجم الوسيط.
*"ازْلَكْ" (بزاي مفخمة وكاف منطوقة نطق الجيم القاهرية): زَلِقَ: glisser. "الزّلَّيْكَه": الزَّلَّاقَة(glissière): الموضع لا تثبت عليه القدم. يقال: طريق زَلِقٌ "تَوْرسْ اتْزَلَّكْ": chemin glissant. وأرض زَلِقة "اتْرَابْ اتْزَلَّكْ": terre glissante. "ازْلَكْ" في شخص: شَتَمَه/ سَبَّه: injurier qn. "الزَّلْكَه": مَسَبَّة/ شَتِيمَة(injure): إهانة بكلام جارح، على سبيل المثال.
*"كَرْتَه" (تنطق الكاف جيما قاهرية): الفُسْتُق( الفول السودانيّ): la cacahouète ou cacahuète.
*"لْتْرَيْن" أو "الْكَارِبْ"(تنطق الكاف جيما قاهريه): القِطَار(le train): مجموعة من مَركَبات السكة الحديدية تجُرُّها قاطرة (محدَثَة). ج. قُطُرٌ( المعجم الوسيط). والقطار من الإبِلِ: عدَدٌ منها بعضه خلف بعض على نسَقٍ واحدٍ. والمَقْطُورَة(la remorque): عَرَبَة تجُرُّها قاطِرَة:  remorqueuse
*"لَبُّورْتَابلْ"( في الأقطار العربية المستعملة فيها الإنجليزية، يقولون: " الْمُوبَايلْ": mobile ): الهاتف المحمول/ النَّقَّال( le portable). من الصفة(portable): يُحْمَل، سهل الحمل. وله كذلك معنى الصفة( portatif): خِفٌّ، سهل الحمل، نَقَّال، سهل النقل. و "لَفّيكْسْ": الهاتف الثابت (le fixe). ويمكن أن نقول، بالفرنسية: téléphone mobile ou téléphone portable
*"لبْلَاصَه": المَكان، بالفرنسية(la place)، وبالإسبانية(la plaza). عِلْمًا بأنّ حرف(z)، في الإسبانية، يُنطَق ثَاءً عربية. "لابلاثا". مع ملاحظة أنّ المَكان: المنزلة، والمَوْضِع. يقال: هو رفيع المكان. والموضع: اسم المكان. يقال: في قلبي مَوْضِع فلان: مَحَبَّتُه. والمَكانَة: المكان بمَعْنَيَيْهِ المشار إليهما (المنزلة والموضع).
*"الصَّالِحِينْ"/ التِّيدْرَه": المَقبرَة(بضم الباء وكسرها): la cimetière: مجتمع القبور. والقبر. ج. مَقابرُ(محدَثة). والمَدْفِنُ: مَوضِع الدَّفنِ وما يحيط به من بِناءٍ.ج. مَدافِنُ.

*"ارْزَاحْ"(بزاي مرققة): الرَّزَاحُ. رَزَحَ فلان: ضَعُفَ وذهَبَ ما في يده. ورَزَحَ البعيرُ يَرْزَح رُزاحًا، ورُزُوحًا: ضَعُفَ ولصق بالأرض من الإعياءِ أو الهُزالِ لا يتحرك. يقال: رَزَحَ تحتَ حِمْلٍ: sucomber sous un fardeau . ورَزَحَ تحت النِّيرِ: ployer sous le joug . فيقال: كان البلد الفلانيّ يرزَح تحت نِيرِ الاستعمار(la colonisation). و"ارْزَاحْ، في "الحسّانيّة"، يعني: الكسل(la paresse)، والخمول(l'indolence) . كما يُعبَّر عنه ب "أَغَدَّاجْ". والعلاقة واضحة بين "ارْزَاحْ"  والضعف والإعياء وعدم التحرك(أي مظاهر الكسل).
ويُلاحَظ، من خلال هذه الكلمة وغيرها، أنّ عددا كبيرا من الكلمات العربية الفصيحة المستعملة في "الحسّانيّة" – محرَّفةً أو غيرَ محرفةٍ- لم تعد مستعملة في الأساليب العربية الحديثة، لا شفهيا ولا كتابيا. بمعنى أنّنا لا نسمع أو نقرأ –حسَبَ عِلمي – في أي نص عربيّ حديث، كلمة: الرُّزَاح، التي ينوب عنها سَيْلٌ من الألفاظ والتعابير الأخرى، نحو: الكسل، التكاسل(تعمد الكسل)، الخمول، التراخي، الاسترخاء، التواني، الفتور، التثاقل، الإهمال، عدم النشاط، إلخ. وهذا ممّا يدلّ – إن كان الأمرُ بِحاجة إلى دَليلٍ – على أنّ "الحسّانيّة" متأصّلة /متجذرة في اللغة العربية الفصيحة.
ومن المعلوم أنّ ما نتداولُه من ألفاظ ومفردات وتراكيب عربية، لا يمثل إلّا نسبة ضئيلة ممّا هو كامن في بطون الكتب. وتلك الثروة اللغوية الهائلة، غير المتداولة، نحسبها غير عربية- لجهلنا بها- أو نعدّها من غريب اللغة، في أحسن الأحوالِ. والعضو الذي لا يُستخدَم يضعف ثمّ يموت. وكذلك اللغة، تَحْيَا بالاستعمالِ وتموت بالإهمالِ. ثمّ إنّ اللغة تقوى بقوة أهلها وتضعف بضعفهم. والدليل على ذلك، هو أنّ العرب عندما كانوا أقوياء قويت اللغة العربية وحملت مشعل الحضارة، وفي عهود انحطاطهم وضعفهم ضعفت لغتهم، لدرجة أنّ أعداءهم والمتخاذلين من بني جِلدتهم، أصبحوا  يتطاولون على اللغة العربية ويشككون في قدرتها على نقل العلوم والمعارف الإنسانية، بعد أن رموها بالعقم وبأنها لغة حجرية  متقوقعة لا تصلح لمسايرة العصر.!

الأحد، 25 أغسطس 2013

تفصيح العامية (12)



*"ازْكَ" أو "زَوْكَ"(بزاي مفخمة وكاف منطوقة جيما قاهرية): صَرَخَ(crier) يَصْرُخ صُرَاخًا، وصَرِيخًا: صَاحَ صِياحا شديدا. واسْتَغاثَ. واصْطَرَخَ: صَاحَ واستغاث. وفي التنزيل العزيز:(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا). وزَقا الطائرُ والدِّيكُ يَزْقُو زَقْوًا، وزُقَاءً (chant du coq) : صَاحَ(chanter). وزَقَا(pleurer) الصَّبِيُّ: اشتَدَّ بُكاؤه. وزَقِيَ يَزْقَى زَقْيًا، وزُقِيًّا: زَقَا. أَزْقَاهُ "زَكَّاهْ": جَعَلَهُ يَزْقُو(يصيح/ يصرخ). والزّاقِي: الدِّيكُ(coq). ج. زَوَاقٍ. ويبدو أنّ مادة"ازْكَ/زَوْكَ" ، في "الحسّانيّة، مستوحاة-مَجَازًا- من صِياح الديك، و/أو بكاء الصبيّ. و"اتْزَوْكِ/أَزَكَايْ" ج. "آزْوَاكَه". كما يقال:"كَرْطَ"(في صيغة الفعل الماضي)، و"اتْكَرْطِ"(المَصْدَر)، و"أَكَرْطَايْ"(الاسم)، ويجيء الفعل"كَرْطَ" بمعنى:نادى(appeler) بصوتٍ عالٍ. واستغاث(appeler au secours).
*"انْقَزْ": نَقَزَ الظبْيُ في عَدْوه يَنقز(بضم القاف وكسرها) نَقْزًا، ونَقَزَانًا: وَثَبَ صُعُدًا وقَفَزَ. ونَقَزَ الشيْءَ عنه: دَفَعَه. ونَقَزَه: وثَّبَه ورَقَّصَه. وانتقزت الماشية: أَصابها النُّقازُ، وهو داءٌ يُصيبُ الماشية فتنقُز منه حتى تموت. والمَنْقُوزُ: المُصابُ بداءِ النُّقَازِ. و، في "الحسّانيّة"، تُوجَدُ مَعانٍ مختلفةٌ لهذه المادّةِ، تقع ضمن الألفاظ المُسْتَكْرَهةِ/ المُسْتَقْبَحَة التي يُحْظَرُ- حسَبَ العادات والتقاليد الاجتماعية- أن يُتَلَفَّظ بها في الأوساط المحترمة، بل يقتصر ذلك على مجالس مَن تسقط بينهم مؤونة التحفظ حيث لا يجدون حَرَجًا في التلفظ بما يشاؤون. وكما يقال: مع الأحباب تسقط الآداب. وسوء الأدب مع الأحبة أدب. ومِن ضِمنِ هذه المعاني أنّ اسم المفعولِ، مِن الفعل المشار إليه، يوحي بأنّ الشخصَ الذي وقع عليه الفعلُ يوجد في وضعية غيرِ مُرِيحة(مادّية أو معنوية).
وجاء في المَبْدَإِ رقم(9) من المبادئ الأساسية لمنهجية مكتب تنسيق التعريب، في اختيار المصطلحات العلمية العربية ووضعها، ما يأتي: (تفضيل الصيغة الجزلة الواضحة وتجنُّبُ النافِرِ والمحظور من الألفاظ).
ولعلَّ المقصود بالنافر من الألفاظ: اللفظ غير المُسْتَساغ الذي ينفر منه السامِعُ. من ذلك- على سبيل المثال-أنّ بعض أساتذة الطِّبّ لم يتقبلوا: المُعَثْكلَة، للتعبير عن المصطلح الفرنسيّ(pancréas)، مُفَضِّلِينَ: البَنْكرياس(أي إدخال المصطلح الأجنبيّ بلفظه).
أمّا المحظور من الألفاظ، فهو تلك الألفاظ المستقبحة/ المستكرهة، المرفوضة اجتماعيا لكونها قد تخدش الحياء. ومن الملاحَظ أنّ معاني ودلالات هذه الألفاظ قد تختلف من قُطْر عربيّ إلى آخر، وقد تختلف من منطقة إلى أخرى داخل القطرالعربيّ الواحد. إنّنا- مَثَلًا- في موريتانيا، نستعمل كلمة: المُشْط (le peigne)، لكننا لا نستعمل صيغة الفعل(peigner)، ولا صيغة المبالغة(فَعَّال) وإنما نستعمل: سَرَّحَ"اسْرحْ" شَعَرَ رأسه(بالمسراح/السرَّاح)، وذلك تجنبًا لما يوحي إليه هذا الفعل، في "الحسّانيّة".
وفي مصر- على سبيل المثال- لا يُقالُ: خيَّاط سيدات(أي خياط الملابس النسوية)، وإنما تُستعمَلُ كلمة: تَرْزِي. وذلك انطلاقا من المبدإ نفسِه المتعلق بالإحاءات التي تدخل ضمن ما يُعرَف بالمَسكوت عنه أو اللامَسَاس(le tabou). وفي المثالين، المشار إليهما، يتعلق الأمر بإحاءات جنسية. وجاء في المعجم الوسيط: التَّرْزِي: الخَيَّاط. دَخِيل مُعرَّب من دَرزي بالفارسية. والخَيَّاط: مَن حِرفتُه الخِياطة. ومِن اللافِت أنّك تجد، في مصر، محلا مكتوبا على واجهته: تَرزي سيدات. ولا تجد – حسَبَ علمي- من يكتب: خياط سيدات، مع أن الكلمة الثانية(خياط) عربية، بينما الأولى(تَرزي) دخيلة معربة. وتقتضي منهجية وضع المصطلحات تفضيل اللفظ العربيّ على اللفظ المعرَّبِ. ويُستنتَج ممّا سبَق أنّ المجتمعات قد تحكم بالإعدام على بعض الألفاظ، للأسباب المشار إلى بعضها، لكن هذا لا يمنع من تدوين هذه الألفاظ في المعجم اللغويّ، حتى لاتندثر،لأنها تكوِّن جزءا من تراث المجتمع. وعلى الحاذقِ النّبيهِ أن يختار اللفظ المناسب لكل مقام(ولكل مقام مقال) حتى لا يعرِّض نفسه للإحراج والسخرية والاستهزاء. ولن يتأتّى ذلك إلّا بالإلمام- قدر المستطاع- بأسرار اللغة، وعادات وتقاليد الناطقين بهذه اللغة- على المستوى العربيّ بصفة خاصة- وعلى مستوى الشعوب التي أتيح للشخص أن يتعلّمَ لغاتِها. فالعالم أصبح قرية واحدة، ممّا يتطلّبُ من إنسان القرن الحادي والعشرين أن يكون واسع الاطلاع، حتى لا يُحرِجَ نفسَه أو يجرح شعور الآخَرينَ أو يمسّ من مقدّساتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
ومع ما يُلاحَظ حاليا من تركيز، في عملية التعليم والتعلُّم، على التخصّصِ في مفهومه الضّيِّقِ، فإنّ ذلك لا يُلغي أهمّية الثقافة العامّةِ.
*"التَّبْرُورْ"(براءٍ مرققة): البَرَدُ(grêle): الماءُ الجَامِدُ ينزل من السحابِ قِطَعًا صِغارًا، ويُسَمَّى: حَبُّ الغَمَامِ، وحَبُّ المُزْنِ.
*"كَشَّرْ": كَشَّرَ، في الفصحى: مبالغة كَشَرَ. كَشَرَ عن أسنانه يَكْشِرُ كَشْرًا: كَشَفَ عنها وأبداها عند الضّحِكِ وغيره. وكَشَرَ السّبُع عن نابه: هَرَّ لِلهِراشِ وأبدى أسنانَه. وكَشَرَ العَدُوُّ عن أنيابه: تَنَمَّرَ وأوعدَ كأنّه سَبُعٌ. و"كَشَّرْ"، في "الحسّانيّة": عَبَسَse renfrogner, prendre un air maussade, faire grise mine)). وعَبَسَ فلان يَعْبِسُ عَبْسًا، وعُبُوسًا"التّكْشَارْ": قَطَّبَ وَجهَه مِن ضِيقِ الصّدْرِ( جمع جِلْدَ ما بين عينيْهِ وجِلْدَ جبهته وتَجَهَّمَ). وعَبَسَ اليوْمُ: اشْتَدَّ، فهو عابِسٌ، وعَبَّاسٌ، وعَبُوسٌ(maussade): مُكْفَهِرٌّ.
*"كَصَّرْ/ دَكْدَكْ"(تُنطَق الكافان الأخيرتان نطق الجيم القاهرية): كَسَرَ/ حَطَّمَ(casser) الشّيْءَ: هَشَمَهُ وفَرَّقَ بين أجزائه. وتَكَسَّرَ الشيءُ"انْكصَرْ"/"الدَّكْدَكْ": مُطاوِع: كَسَّرَه""كَصْرُ/دَكدْكُ". وكَسَرَ القوْمَ"اكْصَرْهُمْ": هَزَمَهم.
*"جَابْ"، في "الحسّانيّة": أَحْضَرَ/أَتَى ب/آتَى: apporter. و"لمْجِيبَه": الإحضار. آتَى فلانا الشيءَ: أَتَى به إليهِ. وفي التنزيل العزيز:(قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا). وفي الفصحى، جابَ فلان الشيءَ: قَطَعَه. وقطَعَ وسطَه. وخَرَقه. وجَابَ الصّخرَ: نقبه. وفي التنزيل العزيز:(وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ). وجَابَ الأرضَ والفَلاةَ والبِلادَ: قَطَعَها سَيْرًا.
*"الْحُوتْ": الحوت(baleine). والسَّمَك(le poisson). وجاء في المعجم الوسيط: الحوت: السَّمَكَة، صغيرةً كانت أو كبيرةً. وجِنْس من الحيوانات الثدييَّة من رُتبة الحِيتان. ج. حِيتان، وأَحوات. والسّمَك: حيوان مائيٌّ. وهو أنواع كثيرة لكل نوع اسمٌ خاصٌّ يميِّزُه. ج. سِمَاك، وسُمُوك، وأَسْمَاك. والسَّمَكة: واحدة السمك.
وفي "الحسّانيّة، يُطلقُ الحوتُ- بصفة عامة- على السَّمَكِ، فنقول: كان غَدَاؤُنا اليومَ"مَارُ والحوت/تَيْبَجَنْ": الرّزّ بالسمك. وهي وجبة موريتانية، انتشرت في العقود الأخيرة في المناطق المطلة على البحر(المحيط الأطلسيّ) أو تلك المحاذية للنهر الفاصل بين موريتانيا والسنغال، تصنع من مادتَي الرز والسمك مضاف إليهما الزيت وبعض الخضر ومواد عطرية، لتحسين المذاق. ومن الشائع استعمال المصطلحات الأجنبية(الفرنسية بصفة خاصة) بين الموريتانيين- يستوي في ذلك العربيّ والزنجيّ- في أحاديثهم عن أنواع السمك. من ذلك-على سبيل المثال- "الصُّولْ": سَمَك مُوسَى(la sole). "السُّومُونْ":  السالمون/سمك سليمان(le saumon). "الرُّوجي": سمك سلطان إبراهيم(le rouget). "لُودَمَيْرْ": القَارُوس(loup de mer).  "لَانْشْوَا": الصِّبر/ البَلَم/ الأَنْشُوجَة(anchois). الأنشوشة: جنس صغار السمك من فصيلة الصابوغيات. يُحفَظ ويُباعُ معلّبًا(من الدّخيل). "ابْرُوشي": الزُّنْجُور(brochet): جنس أسماك نهرية مستطيلة الشكل واسعة الشِّدْقِ من فصيلة الزّنجوريّات. "الْمُوره": الغَادُس/ المورة(la morue). "الْمِيلي": سمك البوري(le mulet). والقائمة طويلة. ويدخل توحيد أسماء أنواع الأسماك، الموجودة في الوطن العربيّ، في إطار توحيد المصطلحات العربية الذي يقوم به مكتب تنسيق التعريب، بالتعاون مع مجامع اللغة العربية(صدر عن المكتب منذ إنشائه سنة 1961م - حتى الآن- ما يربو على(30) معجما، في حقول معرفية متنوعة، لكن المصطلحات المبثوثة في هذه المعاجم لم تدخل – حسَبَ علمي- في المناهج الدراسية، ولم تطبّق في المراسلات الإدارية). وحبذا لو قامت الجامعات، والمؤسسات المتخصصة والأفراد المهتمين، بجهود في هذا المجال. ويتوقف كل ذلك- طبعًا- على اتخاذ قرار سياسي يلزم المؤسسات الرسمية للدولة باستعمال اللغة العربية في الإدارة، وفي التعليم بمختلِف مراحله وأنواعه.
*"الْكَاشُوشْ"(تنطق الكاف جِيمًا قاهرية): الصَّدْر/ الجُؤْشُوش(la poitrine) : الجزءُ الممتدّ من أسفل العُنُق إلى فَضاءِ الجوف. ويلاحظ التقارب اللفظيّ بين الجؤشوش و"الكاشوش". وسُمي القلبُ صَدْرًا لحلوله به. وفي التنزيل العزيز:( قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّه). والصدر، في الفصحى، أكثر شيوعا وتداولا بين النّاسِ من: الجؤشوش.  بل إنّ هذا الأخير(الجؤشوش)، لا يوجد له ذكر في أوساط العامّة. "آكْوَاشِيشْ": الصُّدُور. فلان "أمْكَوْشَشْ": مَصْدُورٌ:atteint à la poitrine. صُدِرَصَدْرًا: شَكَا صَدْرَه. فهو مَصْدُورٌ. "كَابْظُ بُواكْوَيْشِيشْ": متردِّدٌ/ متحيِّرٌ: hésitant.
*"فلان سنّه"مَفْرُومَه"(براء مفخمة)، أو "بِفَرتُه"(براء مرققة): أَثْرَم. ثَرِمَ يَثْرَمُ ثَرَمًا: انْكَسَرَت سِنُّه. وسَقَطَت مِن أصلها "الْفَرَّه". فهو أَثْرَمُ، وهي ثَرْمَاءُ.ج.ثُرْمٌ. وفي الحديث:(نَهَى أن يُضَحَّى بالثرماء). انظر: المعجم الوسيط.
*"جَلَّبْ/ رَصَّفْ": قَفَزَ/ وَثَبَ(sauter, bondir). قَفَزَ(bondir) الظبْيُ ونحوُه يَقْفِزُ قَفْزًا، وقَفَزَانًا(bondissement): وَثَبَ. وتَقَافَزُوا"جَلبُ/اتْرَاصْفُ": تَوَاثَبُوا. و"التّرْصَافْ/ التجْلَابْ": القَفْزُ/ الوَثْبُ:le saut
*"شُوسَتْ" ج. شُوسَتَّاتْ": جَوْرَب(قصير/ نصفيّ): chaussette. "لِيبَا': جَوْرَب(طويل): les bas. الجَوْرَبُ: لِبَاسُ الرِّجْلِ.ج. جَواربَة، وجَواريبُ(من المُعرَّبِ: اللفظ الأجنبيّ الذي غيَّرَه العربُ بالنّقصِ، أو الزِّيادةِ، أوالقلْبِ).
*"النَّامُوسْ": البَعُوض(le moustique): جِنْس حشرات مُضِرَّة من ذوات الجناحيْن. وهو: النّامُوسُ. والنّاموسَة: البَعوضة الصغيرة. ج. نَامُوسٌ. والنَّامُوسِيَّة(la moustiquaire ) "الْقُبَّه": كِلَّة(ج. كِلَل) رقيقة ذات خروق صغيرة تُتَّخَذ للوقاية من النّاموس. مع ملاحظة أنّ من معاني القبة، في الفصحى: خيمة صغيرة أعلاها مستدير. وبِناءٌ مستدير مقوَّسٌ مجوَّف يُعقد بالآجرِّ ونحوِه. ج. قِبَابٌ، وقُبَبٌ. بمعنى أنّ النّاموسيّة/ الكِلَّة، أدقّ من "القبه" المستخدمة في "الحسّانيّة"، ربما على سبيل المَجَازِ. كما تُطلَق "القبه"، في "الحسّانيّة"، على "البَنْيَه" التي كانت تُنْصَبُ- في البوادي – للعَروسيْنِ لينفردا فيها لَيْلًا. البُنية(بضم الباء): ما بُنِيَ.ج. بُنى. وكذلك، البِنية(بكسر الباء): ما بُنِيَ.ج. بِنى. والبَنِيَّةُ: كلُّ ما يُبْنَى، وتُطلَق على الكعبة. ولعلّ البَنْيَه"، في الحسّانيّة"، مأخوذة من هذه المعاني.

الجمعة، 23 أغسطس 2013

عودة إلى موضوع إصلاح التعليم



بتاريخ 27/12/2010م، كتبت مقالا، بعنوان: "إصلاح التعليم في الوطن العربي"، نُشِر في بعض الصحف الورقية والإلكترونية، وفي مدونتي " اللغة العربية أمّ اللغات"، وفي صفحتي على " الفيس بوك".
وقد أشرتُ في المقال المذكور، إلى أنّ إصلاح التعليم في الوطن العربيّ، لا يمكن أن يتِمّ بمعزل عن "مشروع النهوض باللغة العربية للتّوجُّهِ نحو مجتمع المعرفة". كما أشرتُ إلى ضرورة استعمال اللغة العربية في الإدارة، وفي التدريس (في مراحل التعليم كافَّةً)، مع الاهتمام بتعلُّم بعض اللغات الأجنبية- حسَب حاجة كل بلد- والفصل بين تعلُّمِ اللغة الأجنبية وبين استعمالها في التدريس وفي المراسلات الرسمية الإدارية، فالفرق شاسع بين الاثنين. بالإضافة إلى الاهتمام بالترجمة.
ومن الأسباب التي جعلتني أعود مرة أخرى إلى هذا الموضوع، هو ما ورد في خطاب العاهل المغربيّ محمد السادس، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، حول تدبير ملف التعليم. ومن المعلوم أنّ التعاون الموريتانيّ المغربيّ في هذا المجال عرف تطورا إيجابيا ملموسا في العقود الأربعة الأخيرة- بصفة خاصة - بحيث استفاد العديد من الطلبة الموريتانيين من استكمال دراستهم في المملكة المغربية الشقيقة. يترتب على ذلك انّ جودة التعليم في المغرب ستنعكس بالضرورة على مستوى تحصيل الموريتانيين الذين تخرجوا في مؤسسات تعليمية مغربية، والعكس صحيح. وسينعكس ذلك- سلبا أو إيجابا- على مردودية هؤلاء الخريجين عندما تسنَد إليهم وظائف مهمة في الدولة. و حبذا لو استمر التعاون و التنسيق بين البلدين الشقيقين في هذا المجال الحيويّ.  وعلى الرغم مما يوجه من نقد للتعليم في المغرب ، فإنني أعتقد أنه في وضع معقول ومقبول، بالمقارنة مع وضع التعليم في بعض البلدان العربية الأخرى. علما بأن مشكلات التعليم في الوطن العربيّ تتشابة إلى حد كبير، مع تفاوت نسبيّ منطقيّ راجع إلى ظروف كل بلد وتجربته الخاصة وإرثه التاريخيّ. وأذكِّر، في هذا المجال، بخُطة إصلاح التعليم التي تتولى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تنفيذها، بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
ومما جاء في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب: "...من غير المعقول أن تأتي أيّ حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما بأنها لن تستطيعَ تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها...لا ينبغي إقحام القطاع التربويّ في الإطار السياسيّ المحض ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات "السياسوية" ، بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثفافيّ، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربويّ ناجع".
والحقيقة أننا لو قمنا بإسقاط مضمون هذا الكلام على ما يحدث عندنا في موريتانيا، لوجدنا أننا نسقط – في أغلب الأحيان- في هذا الفخّ، حيث يأتي أيّ فريق جديد- بغض النظر عن طريقة وصوله إلى السلطة- بمخطط جديد، أو برنامج، أو مشروع(لا عبرة بالتسمية) من أجل"إصلاح التعليم"، مع أنّ الإدارة- بصفة عامة- يجب أن تحافظ على الحد الأدنى من الاستمرار في سياسات التخطيط، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقطاع جوهريّ يتعلق بتكوين الأجيال وتسليحهم بالعلم والمعرفة. فإذا كان كل فريق يتولى السلطة يلعن الفريق الذي حكم قبله ويحمله مسؤولية تخلف البلد ويقرر أن يبدأ من الصفر، فإننا سنستمر-إلى ما لا نهاية- في هذه الحلقة المفرغة.
أعتقد أنه يجب علينا –نحن كذلك- أن نسير في الاتجاه القاضي بعدم إقحام قطاع التعليم- عندنا في موريتانيا- في التجاذبات السياسية، بل إخضاعه لمخططات علمية مدروسة، تنفذ تدريجيا ولو على عشرات السنين. وبذلك وحده، نصل ببلادنا إلى مستوى معقول من النمو والازدهار. علمًا بأنّ العنصر البشريّ هو رأس المال الحقيقيّ، وهو الوقود المحرك لقاطرة التنمية.
وللإنصاف والالتزام بالواقعية، فلا أحدَ ينكر أنّ بعض الأنظمة أو الحكومات قد يحالفها الحظ  فتكون فترات حكمها أفضل من فترات حكم غيرها، لكن ذلك لا يعني أن جميع قراراتها وتصرفاتها كانت صائبة، وأن جميع قرارات وتصرفات من سبقوها كانت خاطئة. فالعملية نسبية تماما، ولكل فريق نسبة من النجاح ونسبة من الإخفاق.
وأقول، في الختام، إنّ شعوبنا أصبحت على قدر كبير من الوعي ممّا يجعلها قادرة على التمييز بين الحق والباطل، ومن ثَمَّ، فإنّ العلاقة بين الحاكم والمحكوم يجب أن تكون مبنية على هذه الحقيقة.

الأحد، 18 أغسطس 2013

تفصيح العامية (11)



*"ارْغِيدَه"(براء مرققة): الرَّغِيدَة: من معانيها: اللَّبَن الحليب يُغلَى ثم يُذَرُّ عليه دقيقٌ حتّى يَختَلِطَ ويصيرَ طعاما يُلعَق لعقًا. و، في الحسّانيّة، "صنْف من "الْعَيْشْ" يُعَدّ بطريقة متسرعة. و"الْعَيْشْ": وَجْبَة شعبية موريتانية، تُحضَّر بغلْيِ الماءِ وإضافة الدقيق إليه ودَلْكِ/عَرْكِ الخليط وتركه على نار هادئة حتّى يَنضج، وقبل أن يقدم للإكل، يُؤدَم عادة بالحليب أونحوه. و"النَّشَا"، المشار إليه سابقا، هو نوع من "الْعَيْشْ" زِيدَتْ فيه كمية الماء على كمية الدقيق بحيث يصبح حَساءً/شُرْبَة(soupe). مع ملاحظة أنّ المعنى العام للعيش- في الفصحى- هو: الحياة(vie). وما تكون به الحياة من المَطْعَم والمَشرَب والدَّخْل. كما يُطلَق- في مِصْرَ- على الخُبْزِ(pain)، و- في موريتانيا- على الوَجْبَة(repas) المشار إليها آنِفًا.
*"كَزَّرْ"(بكاف منطوقة جيما قاهرية وزاي مفخمة): رَفَسَ(regimber, ruer) يَرْفسُ رفسًا، ورِفاسًا: رَكَضَ بِرِجْلِه. ورَفَسَ فلانًا رَفْسًا، ورُفُوسًا: ضربه برجله في صدره. رَفْسَة: coup de pied. رَفْسُ حِصَانٍ: ruade de cheval.
*"آبَ" عن الشيْءِ: أَبَى(refuser, ne pas accepter) الشَّيْءَ: كَرِهَه ولم يرضه. وفي التنزيل العزيز:(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ). وفي المَثَلِ: (رَضِيَ الخَصْمان وأَبَى القاضِي): يُضرَبُ لمن يطالب بحق نَزلَ أصحابُه عنه. ويقال: له نفس أَبِيَّة: ذات تَرَفُّعٍ. ومن معاني الإباء: الشهامة/الأنفة/عزة النفس(fierté). وأَبَيْتَ اللَّعْنَ: من تحية الملوك في الجاهلية، معناها: أبَيْتَ أن تأتيَ بما تُلْعَنُ به. و"اتْمَابِ": الرَّفْض(refus). و"ابْغَ والَّل اكْرَهْ": شَاءَ أَمْ أَبَى(qu'il le veuille ou non). مع ملاحظة أنّ آبَ، في الفصحى: رَجَعَ. آبَ إليه يؤوب أوبًا، وأوبةً، وإيابًا، ومَآبًا: رَجَعَ. ويقال: بطاقة ذَهابٍ وإيابٍ: un billet d'aller et retour. وآبَ إلى الله: رجع عن ذنبه وتَابَ(se repentir). والأوَّابُ: صفة مدح للرَّجَّاعِ عن كل ما يكرهه الله إلى ما يحبه. وفي التنزيل العزيز:(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهَ أَوَّابٌ). و: (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا).
*"اعْفَسْ" presser fortement)): عَفَسَه يَعْفِسُه عَفْسًا: طَرَحَه على الأرضِ وضَغَطَه ضغطًا شديدًا. و"اتْعَافْسُ": تَعَافَسُوا: زاوَلُوا الصِّراعَ. و "لعْفِيسْ": العَفْسُ.
*"يَاسرْ": كَثِير. و، في الفصحى، اليَاسِرُ: الذي يلي قسمة الجزور في المَيْسِرِ. والضَّارِبُ أو اللاعِبُ بالقِداحِ في الميسرِ.ج. أيسار. وهي ياسرة.ج. يَواسِر. ولعل الكلمة "الحسّانيّة" مشتقة من اليَسَار(aisance, prospérité)، أي الغِنَى والثروة والسِّعة والرَّخاء.
*"الرَّفْكَه"(تُنطَق الكافُ جِيمًا قاهرية): رُفقاء/ رَكْبٌ، من الرجال عادة، يسافرون على الدّوابِّ إلى بلد أو منطقة قد تكون نائية لِجَلْبِ المُؤَنِ. ولعلها تَحْرِيف للرُّفقة(compagnie): الصُّحْبَة. ويستبشر كثيرًا أهلُ البَدْوِ بعودة ذوِيهم من "الرَّفْكَه"، مُحمَّلين بالملابسِ والمواد الغِذائية الضرورية.
*"مَارُ": الأُرْز/الرُّزّ(riz): إذا لم تكن هذه الكلمة مأخوذة من بعض اللهجات المحلية غير العربية، فقد تكون مشتقة من: الْمِيرَة. مَارَ أَهلَه يَمِيرُ مَيْرًا: أَعَدَّ لهم/جَلَبَ إليهم المِيرَة. وامتار لأهله أو لنفسه: جَمَعَ الميرة، وهي الطعام- من الحب والقوت- يُجمَع للسفر ونحوه. و،  في "الحسّانيّة"، يُطلَق على زاد المُسافِرِ "لعْوِينْ". وفي التنزيل العزيز:(هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا).
*"الْمَرْفَكْ" (تنطق الكاف جيما قاهرية): المَرْفِق/المِرْفَق(coude): مَوْصِل الذِّراعِ في العضد.ج. مَرافِق.
*"ارْكَ"(تنطق الكاف جيما قاهرية): رَقَأَ الدَّمْعُ والدَّمُ ونحوُهما، رَقْئًا، ورُقُوءًا: سَكَنَ وجَفَّ وانقطَعَ بعد جريانه. و"رَكَّاهْ": أَرْقَأَه: جَعَلَه يَرْقَأُ. يُقالُ: أَرْقَأَ العِرْقَ(veine, artère...).
*"الرّكْعَه"(تنطق الكاف جيما قاهرية): الرُّقْعَة(morceau d'étoffe avec lequel on rapièce un habit): ما يُرْقعُ به الثوبُ أو القطعُ. يقال: الصاحبُ كالرقعة في الثوبِ إن لم تكن منه شَانَتْهُ، فاطلبْهُ مُشاكِلًا. كما تُطلَق على قطعة من الأرضِ(parcelle de terrain).
*"الزَّحَّافْ"، في الحسّانيّة": الشخص المقعَد الذي لا يستطيع الوقوف أو السير على قدمَيْهِ فينسحِبُ على مَقْعَدَتِه، لينتقلَ من مكان إلى آخَر. و، في الفصحى، الزَّحَّافُ: كلُّ ما يمشي على بطنه، كالأَفاعِي ونحوِها. وزَحَف الصَّبِيُّ(se traîner par terre) يَزْحَف زَحْفًا، وزُحُوفًا، وزَحَفانًا: انسحب على مَقعَدَته قبل أن يمشِيَ. ولعل "الزَّحَّافْ"، في الحسّانيّة" مَأخوذة من هذا المعنى.
*"أَزْرَكْ"(بزاي مفخمة وكاف منطوقة جيما قاهرية): أَزْرَق(bleu): ما لونه الزُّرْقة. و"زَرْكَه": زَرْقاءُ(bleue). والشخص الغِرّ(من ينخدع إذا خُدِعَ)، الساذج(naïf)، صافي القلب، سريع التصديق...يُوصَف كذلك بأنّه "أَزْرَكْ".
*"آزْعَافْ"، في" الحسّانيّة": مبالغة في عدم الشهوة(الشهية) للطعام(manque d'appétit). ولعلها مستوحاة- مَجَازًا- من: الزُّعَاف. سُمٌّ زُعَافٌ: سَريعُ القَتْلِ. وموْتٌ زُعَافٌ: سَرِيعٌ. وزَعَفَ الرّجُلَ ونحوَه: ضَرَبَه فمات مكانَه سريعًا. وكأنّ "آزْعَافْ" الذي يمنع الشخصَ من سَدِّ الرَّمَقِ، سيقتله سَرِيعًا.
* فلان "فِيهْ الزَّغْبَه" أو "مَزْغُوبْ"، في "الحسّانيّة": porte-malheur: مَشْؤُومٌ. شَأَمَهُم: جَرَّ عليهم الشُّؤْمَ. ويقال: شَأَمَ عليهم، وشُئِمَ عليهم: صار شُؤْمًا. فهو مشؤوم عليهم. ج. مَشائيمُ. والشَّؤْمُ(malheur): الشَّرُّ. عِلْمًا بأنّ الزَّغَب: صِغار الريش والشعْر وليِّنه. وما يبقى في رأسِ الشيْخِ عندَ رِقَّةِ شعْرِه. الواحدة: زَغْبَة.
*"لَخْلَاكْ"(تنطق الكاف جيما قاهرية): النَّفْسُ/الرُّوحُ Âme) ). فعلتُ هذا الأمرَ على "أَخْلَاكَكْ"(تنطق الكاف الأولى جيما قاهرية): من أجْلِكَ(pour vous)، لِمَرْضاتِكَ(pour vous satisfaire). "شَيْنْ لَخْلَاك": الغَثَيَانُ(envie de vomir). "كَبْظُ شَيْنْ لَخْلَاكْ"(تنطق الكافان جيما قاهرية): غَثِيتْ نَفْسُه(avoir envie de vomir). ويوصَف الإنسنُ بأنّ "أَخْلَاكُ" ضَيِّقة "ظِيْكَه"، إذا كان سريع الغضب ، أو "وَاسْعَهْ"، في الحالة العكسية.
*"ترْكَابْ النفسْ أتكْظَاظْها": التَّنَفُّسُ:  respiration. "ترْكَابْ النفسْ": الزَّفِيرُ(expiration): إخراج النَّفَسِ بعد مُدّة، وهو خلاف الشَّهِيقِ. وفي التنزيل العزيز:(لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ). "احْكَمْ فِيهْ النفَسْ": حَبَسَ/أَمْسَكَ/كَتَمَ أَنْفاسَهُ: retenir sa respiration.
*"زَخْدَبْ"، في "الحسّانيّة": غضِبَ غضبا شديدا. ويلاحظ أنّ عددا كبيرا من الكلمات "الحسّانيّة"-كما أشرتُ إلى ذلك سابقا- عبارة عن تحريف لألفاظ عربية فصيحة. ولعل هذه الكلمة تحريف للفعل: زَغْدَبَ(بالغيْنِ): غَضِبَ. والزغدبُ: الهدير الشديد. والزَّبَد الكثير. ويلاحَظ أنّ الشخص "لمْزَخْدَبْ": الغَضِب/الغضبان، قد يمتلئ فمُه بالزبَدِ وتصدر عنه أصوات مرتفعة تشبه الهديرَ.
*"أَشعْطَاطْ": الزَّغَفُ: دُقَاقُ الحطب. وأطرافُ الشجر والنباتِ الضعيفةُ. الحطب: كلُّ ما جَفَّ من زَرْع وشجَر تُوقَدُ به النار. ويوجد فرق بين "لحْطَبْ": الحطَب - بصفة عامة - وبين "أَشعْطَاطْ": الزَّغَف(دُقاق الحطب)، كما رأينا. ومن المعلوم أن الحطب فيه الجيد وفيه الرديء. يقال: فلان حاطِبُ لَيْلٍ: يتكلّم بالغَثِّ والسمِينِ، أو يجني على نفسه لعدَم تفقُّد أمرِه وكلامِه. فكأنه حَطَّابٌ يجمع الحطبَ في ظلمة الليلِ فيأتي بما وقعتْ عليه يدُه من جيّدٍ ورديء.
* "التّعْرَاصْ":الزواج: mariage ، و"ادْخُولْ لخْطَيْرْ": الزَّفاف/ليلة الزفاف/ليلة العُرْس. و"سَدَّرْ لعْرُوصْ": أَزَفَّ/زَفَّ العَرُوسَ: نقلها من بيت أبويْها إلى بيت زوجها(reconduire la nouvelle mariée chez son mari).
*"أَزُفَافْ"، في "الحسّانيّة"، "أَزُفَافْ رَجَّالَه": رجل قويّ يُحسِن التّصَرُّف. ولعل لهذه الصفة علاقة بالزَّفِيف: السَّرِيع. أو بالزَّفُوف: النَّعَامَة. وكأنّ "أَزُفَافْ" مَن يَتَّصِف بالقوة والسرعة.
*"ازْكِيبَه"(بزاي مرققة وكاف منطوقة جيما قاهرية): الزَّكِيبَة: الغِرَارَة.ج. زَكائِبُ. وجاء في المعجم الوسيط أنها(أي الزكيبة) مصرية. ومعنى ذلك أنها مشتركة بين العامّيتيْن: المصرية والموريتانية. وما دام مجمع اللغة العربية قد أدخلها في المعجم، فلا مانع من استعمال الموريتانيين لها في الصيغة المصرية(الزكيبة)، مع نطق الكاف كما تُنطَق في الفصحى، وذلك في إطار عملية توحيد المصطلحات العربية. الغِرَارَة: وِعاء من الخيش ونحوِه يوضع فيه القمْحُ ونحوُه، وهو أكبر من الجُوالق. ج. غَرَائِرُ. والجُوالق: وِعاء من صوف أو شعر أو غيرهما. كالغِرارة. ج. جَوالقُ، وجَواليق. وهو عند العامّة "شوال". وهو(أي الجُوالق) من المعَرَّب: وهو اللفظ الأجنبيّ الذي غَيَّرَه العربُ بالنقْصِ، أو الزيادة، أو القلْبِ. وعندنا، في "الحسّانيّة"، ما يُعرَف ب"اشْكَارَه". وجاء في المعجم الوسيط: الشِّكارَة: كيس مِن قُماش أو ورق متين محدّد الوزن يُعَبّأُ فيه الأسْمَنْتُ ونحوُه. ج. شَكَائِرُ(من الدخيل: اللفظ الأجنبيّ الذي دخل العربية دون تغيير). وحبذا لو زُوِّدت المعاجم اللغوية الحديثة بصور توضيحية لهذه المسميات التي يستعصي التمييز بينها في بعض الأحيان.

دليل المترجم (2354):

  25001- مَرْكَبٌ جَوِّيٌّ (مُنْطَادٌ مُوَجَّهٌ): un aéronef . 25002- مَرْكَبُ الدَّلِيلِ (مَرْكَبُ إِرْشَادِ السُّفُنِ، سَفِينَةُ إِرْشَا...